بين الشيخين: القرضاوي وابن باز لنتعلم ادب الاختلاف
- Ce sujet est vide.
-
AuteurMessages
-
février 8, 2008 à 11:58 #203477Ibn al arabiMembre
لنتعلم ادب الاختلاف
المالكية, الحنفية والسلفية يتناطحون بينهم اليوم..
هل يفعل ذالك كبار العلماء ?تعالو نتعلم من كبار علمائنا اليوم, الشيخ يوسف القرضاوي.. عالم جليل و بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقا…
» بين الشيخين: القرضاوي وابن باز »
الاختلاف في وجهات النظر وتقدير الأمور فطرة في البشر، و سنة من سنن الله في الكون؛ إذ يستحيل أن يكتمل نسيج الحياة أو ينبثق لها نبع بوساطة نسخ مكررة أو ذات نمطية واحدة.. و لكي يتحدد مسار هذا المقال منذ بدء المصافحة الذهنية مع القارئ فالمعني به هو فقه الاختلاف في المسائل الاجتهادية – وهي التي تتجاذبها الأدلة ولها حظ معتبر من النظر، و التي ينبغي ألاّ ينكر على أصحابها – وليس المعني الاختلاف من حيث أسبابه ومرجعيته أو تاريخه ومحاوره ..
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً يُحتذى به في احتواء الخلاف وحسن إدارته، كي يغدو اختلاف تكامل لا اختلاف تضاد .. و قد حمل صحابته وتابعوه والأئمة الأعلام هذا المشعل.. وكثيراً ما أتأمل حالهم حينما وقعت بينهم الاختلافات في المسائل الاجتهادية، وأجد الإكبار والإجلال لهم يتنامى في صدري.. فما ضرت أولئك الفقهاء اختلافاتهم، بل زادتهم إكباراً و رفعة عند بعضهم البعض.. والأمثلة كثيرة يعجز المقام عن حصرها، تبين ما قد حملوه من أدب جم وخلق رفيع، و اختلاف راقٍ، يمنع السخائم من الاستيطان في صدورهم، و البغضاء من تعاورهم ..
لكنني آثرت أن أسوق موقفاً معاصراً بين عالمين جليلين، وجدته في مذكرات الشيخ يوسف القرضاوي.. حيث قال:
» ومما أذكره أني تلقيت رسالة من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، خلاصتها: أن وزارة الإعلام طلبت رأيه في كتابي « الحلال والحرام في الإسلام »؛ لأن بعض الناشرين طلبوا من الوزارة أن « تفسح » له، وكلمة « الفسح » غدت مصطلحاً معروفاً في المملكة يُقصد به الإذن بنشر الكتاب ودخوله في السعودية.
فلا غرو أن ذكر الشيخ ابن باز بأدب العالم الكبير، ورفق الداعية البصير أنه يريد أن يفسح للكتاب لما فيه من نفع للمسلمين لسلاسته وجمال أسلوبه، وأخذه بمنهج التيسير، ولكن المشايخ في المملكة خالفوه في ثماني مسائل. وسرد الشيخ -رحمه الله- هذه المسائل الثماني، ومنها:ما يتعلق بزي المرأة وعملها، وما يتعلق بالغناء والسماع، وما يتعلق بالتصوير، وما يتعلق بالتدخين وأني لم أحسم الرأي فيه بالتحريم، وما يتعلق بمودة غير المسلم… الخ.
وقال الشيخ رحمه الله: وإن كتبك لها وزنها وثقلها في العالم الإسلامي، وقبولها العام عند الناس، ولذا نتمنى لو تراجع هذه المسائل لتحظى بالقبول الإجماعي عند المسلمين.
هذا وقد رددت تحية الشيخ بأحسن منها، وكتبت له رسالة رقيقة، تحمل كل مودة وتقدير للشيخ، وقلت له: لو كان من حق الإنسان أن يدين الله بغير ما أداه إليه اجتهاده، ويتنازل عنه لخاطر من يحب، لكان سماحتكم أول من أتنازل له عن رأيي؛ لما أكن لكم من حب وإعزاز واحترام، ولكن جرت سنة الله في الناس أن يختلفوا، وأوسع الله لنا أن نختلف في فروع الدين، ما دام اختلافاً في إطار الأصول الشرعية، والقواعد المرعية، وقد اختلف الصحابة والتابعون والأئمة الكبار؛ فما ضرهم ذلك شيئاً؛ اختلفت آراؤهم، ولم تختلف قلوبهم، وصلّى بعضهم وراء بعض.
والمسائل التي ذكرتموها سماحتكم، منها ما كان الخلاف فيها قديماً، وسيظل الناس يختلفون فيها، ومحاولة رفع الخلاف في هذه القضايا غير ممكن، وقد بين العلماء أسباب الاختلاف وألفوا فيها كتباً، لعل من أشهرها كتاب شيخ الإسلام « رفع الملام عن الأئمة الأعلام ».ومن هذه المسائل ما لم يفهم موقفي فيها جيداً، مثل موضوع التدخين؛ فأنا من المشددين فيه، وقد رجحت تحريمه في الكتاب بوضوح، إنما وهم من وهم في ذلك؛ لأني قلت في حكم زراعته: حكم الزراعة مبني على حكم التدخين؛ فمن حرم تناوله حرم زراعته، ومن كره تناوله كره زراعته، وهذا ليس تراجعاً عن التحريم.
وأما مودة الكافر فأنا لا أبيح موادة كل كافر؛ فالكافر المحارب والمعادي للمسلمين لا مودة له، وفيه جاء قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [سورة المجادلة: من الآية 22]. ومحادة الله ورسوله ليست مجرد الكفر، ولكنها المشاقة والمعاداة.
وتعلم سماحتكم أن الإسلام أجاز للمسلم أن يتزوج كتابية، كما في سورة المائدة (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) [المائدة: 5]، فهل يحرم على الزوج أن يود زوجته، والله تعالى يقول: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [سورة الروم: من الآية 21]، وهل يُحرّم على الابن أن يود أمّه الكتابية؟ أو يود جده وجدته، وخاله وخالته، وأولاد أخواله وخالاته؟ وكلهم تجب لهم صلة الرحم، وحقوق أولي القربى.
على كل حال أرجو من فضيلتكم ألاّ يكون الاختلاف في بعض المسائل الاجتهادية الفرعية حائلاً دون الفسح للكتاب، وها هو الشيخ الألباني يخالفكم في قضية حجاب المرأة المسلمة.. فهل تمنعون كتبه؟
وختمت الكتاب بالتحية والدعاء.. وأعتقد أن الشيخ استجاب لما فيه، وفسح لكتاب « الحلال والحرام » ولغيره من كتبي، والحمد لله «هذا الأدب الجم في الاختلاف، وهذا الحوار الراقي، وجوع روح التعصب بينهما والبعد عن الحدية في الآراء، مع إفساح المجال للآخر ليقول ما وصل اجتهاده إليه، بلا ازدراء أو تحقير، هو دأب العلماء المخلصين الذين يمكنهم إخلاصهم من مد جسور الود بينهم وبين الآخرين والانفتاح على آرائهم بحثاً عن الأرجح .. بعكس من يتكلف إثبات ما ذهب إليه انتصاراً لرأيه أو نفسه، أو من لا يأبه بقطع وشائج الأخوة و زيادة التباعد والهوة..!
إن موقف الشيخين يبعث نوعاً من الاطمئنان في نفوسنا والثقة في علمائنا، وأنهم على خير مادام اختلافهم بعيداً عن الهوى والشقاق، وأن باعث رأي كل واحد منهم كان ما بوسعه الذي استفرغه للوصول إلى الحكم.. فلم يختلفوا لمخالفة بعضهم بعضاً أو تخطيء بعضهم بعضاً بل اختلفوا في طرق الوصول إلى تحقيق مقاصد الشريعة الغراء، كل بحسب فهمه وقدراته و ما لديه..
وهما يعطياننا درساً في مراعاة القطعي والظني.. فهذا النوع من الاختلاف عادة ما يكون في مدار الظنيات إما في الثبوت أو الدلالة، بينما الأخوة قطعية الثبوت والدلالة، وأصل من أصول الدين يعلو فوق المسائل الفرعية الاجتهادية سواء كان الاتفاق أو الاختلاف، فالحفاظ على وحدة الصف فريضة وعبادة وقربة، اختلاف الرأي لا يسوّغ انكماشها أو التفريط فيها..
لقد اختلف الكثير من السلف الصالح، لكن اختلافاتهم لم تفرقهم، أو يُجعل منها خصومة تمتد إلى الفجور.. لهذا قال الإمام الشاطبي: « ووجدنا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين ولم يفترقوا، ولم يصيروا شيعاً؛ لأنهم لم يفارقوا الدين، وإنما اختلفوا فما أُذِن لهم من اجتهاد الرأي والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصاً، واختلفت في ذلك أقوالهم فصاروا محمودين؛ لأنهم اجتهدوا فيما أُمروا به… وكانوا مع هذا أهل مودةٍ وتناصحٍ، أخوة الإسلام فيما بينهم قائمة… ».
لكم هو مؤسف ما يحدث كثيراً الآن من إلحاق التشنيع والانتقاص لبعض العلماء والفقهاء وتنصيبهم كأهداف تنالها الألسنة والأقلام لمجرد عدم الرضا باجتهاداتهم الفقهية.. أو أن تتحول الكثير من الاجتهادات الفقهية في إطارها المشروع إلى تحزّبات وعصبيات مقيتة تقتل رونقها، و تُحفر بها الأخاديد بين الإخوة، وتُصيـّر الهين إلى العظيم والدق إلى الجل.. بل و تكون أحياناً معقداً للولاء والبراء..!
هاهما الشيخان يقدم كل واحد منهما الثناء بين يدي الآخر، و يجلي له مكانته، قبل أن يشرع في تبيان ما يخالفه فيه، كما كان سلفنا الصالح، ومن ذلك قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في فتوى لابن مسعود وقد خالف اجتهاده فيها: « يرحم الله ابن مسعود، إنْ كان لفقيهاً » ..
كما أنهما شجّعا على الحوار والنقاش، لتفتح السراديب المغلقة، فيعرف كل واحد ما لدى الآخر، و هو حتى وإن لم يمح التباين بين الآراء إلاّ أنه يضيّق مساحته، ويوسّع مساحة المشترك، ويوطّن على قبول الآراء الأخرى واحترامها وتقدير الاجتهاد الذي أدّى إليها، وحفظ مكانة صاحبه، مادامت المسائل اجتهادية، ولا ثمة مصادرة للنصوص.. بدلاً من حجب عرض الآراء، و أدلتها والقفز إلى الأحكام والمطالبة بقبولها وأنها حقيقة مطلقة.. أو اتخاذ سياسة المنع والتضييق و الوصاية الفكرية، لاسيما وأن الأمر به مندوحة، وأن طبيعة الفقه الإسلامي تقتضي هذه التعددية في الآراء.. وأن ذلك كالمهماز الذي يستحث سير الاجتهاد ويدير عجلة الفقه..
إنهما يشعراننا بأن فقه الاختلاف ليس محبوساً بين دفتي التاريخ، بل متواجدٌ في واقعنا الحي – حتى وإن كان يعاني شيئاً من الانحسار – لذلك ينبغي أن تُعرض هذه النماذج المعاصرة للجميع، لتبث روح الإيجابية ولتشكل القدوة الحية، لا سيما مع كثرة الصخور التي ترجم روح الاجتهاد والتجديد، وتوقع الضغينة بين العلماء الذين اختلفت آراؤهم وفتاواهم، وتشرخ صورة العلماء في نظر العامة الذين لا يدرك كثير منهم أن هذا النوع من الاختلاف في مسائل الاجتهاد ظاهرة صحية تضيف النظر إلى النظر، والعقل إلى العقل، وتجمع الصواب من كل طرف، فتتسع أبعاد الرؤية السليمة، وتشمل زوايا لم يكن بالغها من دار حول ذاته وانكفأ على ما لديها ..
وإذا كنا نقف بالبكاء على أطلال ازدهار الفقه في القرون الأولى فعلينا أن ندرك جيداً أن ذلك الترف والعطاء كان إفرازات للحرية و التباين والتنافس و أدب الاختلاف، و التي حرضّت العلماء على الإبداع، و علينا أن نساعد علماءنا على ذلك، بدلاً من استنزاف جهدهم، و التشنيع عليهم، وهدر مكانتهم، والولوج في نواياهم، بل وأحياناً الوشاية بينهم عبر شحن عالم على آخر، أو استحلاب الفتاوى المضادة في إناء الانفعال والانتقاص، و نشرها بين العامة.. كما أن على علمائنا الأفاضل ألاّ ينساقوا وراء استفزازات البعض، وأن يكونوا كعائذ بن عمرو وأبي برزة رضي الله عنهما، فقد كان عائذ بن عمرو يلبـس الخز، ويركب الخـيل، وكان أبو بـرزة لا يلبس الخز ولا يركب الخيل، ويلبس ثوبين ممصرين، فأراد رجل أن يشي بينهما، فأتى عائذ بن عمرو فقال: ألم تر إلى أبي برزة يرغب عن لبسك وهيئتك ونحوك، لا يلبس الخز ولا يركب الخيل، فقال عائذ: يرحم الله أبا برزة، من فينا مثل أبي برزة.. ثم أتى أبا برزة فقال: ألم تر إلى عائذ يرغب عن هيئتك ونحوك، يركب الخيل ويلبس الخز، فقال: يرحم الله عائذاً ! ومن فينا مثل عائذ!
إننا بحاجة إلى نشر و تعلم فقه الخلاف وأدبه وإدارته، و بحاجة إلى التربية على قبوله والإقرار به، لذلك فإنني أطالب من هذا المنبر بأن تتضمن مناهجنا التعليمية والتربوية التأصيل لهذا الواقع وفقهه، بتعليم الناشئة ما يكفي لإدراك ذلك، مع ترسيخ مفهوم الأخوة الإسلامية والأخلاق الإسلامية عند الخلاف، و حفظ مكانة العلماء الذين شابت مفارقهم في طلب العلم في منهج وسط بين التقديس والصنمية و بين التهميش والأذية، كما أنه لا بد من إلقاء الضوء على المذاهب المختلفة وبيان مكانتها من الدين، وغرس احترام الآراء الأخرى و كيفية التعامل معها و الإفادة منها، لا سيما في هذا الوقت الذي يتسم بالانفتاح و سرعة تداول الآراء من مختلف المذاهب، مما يسبب إشكالية لدى البعض لسماعه وقراءته ما لم يعهده، بل لا بد من عرض الآراء المختلفة وأدلتها وتنمية مهارات وقدرات التعامل معها ..رحم الله الشيخ ابن باز، و وفق الله الشيخ القرضاوي.
سارة الراجحي
-
AuteurMessages
- Vous devez être connecté pour répondre à ce sujet.