hayefmajid

Toutes mes réponses sur les forums

15 sujets de 316 à 330 (sur un total de 419)
  • Auteur
    Messages
  • en réponse à : ابن عبدالوهاب #222051
    hayefmajid
    Membre

    موسى نسى ربه هنا وذهب يطلبه في موضع آخر، والقوم إما كانوا في غاية البلادة والجلافة حيث اعتقدوا أن العجل المعمول هو إله السماء والأرض، أو كان اعتقادهم في العجل اعتقاد الحلولية، وعلى التقديرين لا وجه لإنكار ابن عبد الوهاب أن القوم أرادوا من موسى إلهاً خالقاً مدبراً.

    ثانياً: إنا لو سلمنا كون القوم على إيمانهم حين ما طلبوا من موسى ذات أنواط، لكن الكفر والشرك ليس في طلبها، ولذا لم يكفرهم موسى بل قال لهم: (إنكم قوم تجهلون) وإنما الكفر والشرك يكون في عبادتها.

    ومعلوم أن عبادة غير الله توجب الكفر والشرك، ولكني أين هذا ممن لا يعبد الشفيع في توسله به والاستشفاع منه؟؟

    وتوهم أن ذلك عبادة لغير الله، مدفوع بخروجه عن الفهم المستقيم، كما نبهناكم عليه… بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.

    وثالثاً: إن جعل الشفيع والوسيلة إلى الله تعالى إذا كان من عند الله تعالى لا يضر بالإيمان الخالص بالله، ألا ترى أن الأنبياء سفراء ووسائط بين الخلق والخالق، يتوسل الناس بهم ويشد الرحال إليهم عليهم السلام شوقاً وحباً وتبركا بهم، وقضاء للحاجة من الله تعالى بواسطتهم، ولا يكون ذلك من جعل الآلهة؟؟

    ومثل ذلك شد الرحال إليهم عليهم السلام بعد وفاتهم لغرض الحاجة والدعاء والمسألة، أنهم يسمعون نداء من يناديهم واستغاثة من يستغيث بهم.
    الصفحة 71

    المبحث الثالث
    أدلة الوهابية على حرمة الزيارة

    في المبحث مع ابن تيمية فنقول إنه استدل منهاج السنة على حرمة الزيارة بحديث ابن عباس: «لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زائرات القبور».

    والجواب عنه:

    أولا: أنه خبر واحد ظني لا يقاوم الأخبار المتواترة المفيدة للقطع، فلا ترفع اليد عن القطع بالظن.

    وثانياً: أن اللعن قبل النسخ. كما تدل عليه رواية ابن أبي مليكة عن عائشة حين أقبلت من المقابر وفيه. قلت أليس كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها؟ قالت: نعم ثم أمر بها. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: نهيتكم من زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر.

    قال محمد بن عبد الهادي في حاشية النسائي في شرح قوله صلى الله عليه وآله وسلم «نهيتكم» الخ: جميع بين الناسخ والمنسوخ والنهي والأذن.

    وثالثاً: النهي متوجه إلى النساء، لحرمة خروجهن من بيوتهن بغير الإذن، أو لما في الخروج من لزوم الفساد.

    قال ابن تيمية: الشيعة يعظمون المشاهد مشابهة للمشركين.

    ويرده: إن الشيعة وسائر المسلمين يعظمون قبر النبي صلى الله عليه وأله وسلم وقبور الأئمة تعظيما للدين ولكونها شعائر الله، ومن الحرمات التي أوجب سبحانه إحترامها وحرم على الأمة هتكها.
    الصفحة 72

    وحسبك لوجوب تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما حكاه الغزالي ـ الذي هو من أئمة الشافعية ـ عن كعب الأحبار: أنه مامن فجر يطلع إلا ونزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى يحفوا بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا منل ذلك وحتى إذا انشقت الأرض في سبعين ألفاً من الملائكة يوقرونه ـ الحديث.

    ومثل قبر النبي في كونه مهبط الرحمة قبور أهل بيته وأصحابه المنتجبين، فلا يترك زيارتهم تبركاً بقبورهم وحباً وشوقاً إليهم، كما كان الناس يحبونهم ويشتاقون إلى زيارتهم حال حياتهم. وليست الزيارة عبادة للمزور، وإلا لما جازت شرعأ زيارة المؤمن حياً مع أنها جائزة وراجحة إجماعا.

    طعن ابن تيمية على الشيعة والرد عليه

    وأما قول ابن تيمية: «النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد» فالجواب عنه: أنه قول بلا دليل مع أن لنا الدليل من أمر النبي بزيارة قبره وقبور سائر المؤمنين، ولولا أمره لما كان المسلمون يزدلفون إلى زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم ويجعلونه شعاراً لهم ويحجون إليه في كل عام كما يحجون إلى بيت الله الحرام، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من حج وزار قبري كان كمن زارني».

    وفي إحياء العلوم في باب زيارة النبي قال نافع: كان ابن عمر ـ رأيته مائة مرة أو أكثر ـ يجئ إلى القبر فيقول: «السلام على النبي السلام على أبي بكر السلام على أبي».

    وهذا هو العكوف على قبر الذي أنكرته الوهابية على المسلمين وادعت أنه الشرك.
    الصفحة 73

    وتندفع بأن الشرك إنما هو مع عدم مشروعية الزيارة، وإلا فمع المشروعية والأمر من الشارع لا تكون الزيارة عبادة لغير الله، ألا ترى أن إطاعة أئمة الدين لا يكون خروجا من الدين، حيث أنه بأمر من رب العالمين؟؟ ومن هنا نقول: إن سجدة الملائكة لآدم عليه السلام ما كانت شركا، ولا الأمر بها إشراكاً.

    وأما قول ابن تيمية على كل من يجوز الزيارة من فرق المسلمين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والأولياء.

    فالجواب عنه إن المسلمين لا يؤدون منسكاً خاصاً عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور أهل بيته وأصحابه إلا ما هو الوارد شرعاً، وفي عدة من السنن:

    في سنن الزيارة

    أحدهما: الصلاة والسلام المصرح بهما الشرع كتاباً وسنة: (فمن الكتاب) قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ، وقوله تعالى: (وسلام على آل يس) الشامل لحيهم وميتهم ومثله قوله سبحانه: «وسلام على المرسلين».

    وأصرح من الجميع قوله سبحانه (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً) وقوله تعالى: (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً) .

    (ومن السنة) ما هو الواجب شرعاً في الصلاة من أول: «السلام
    الصفحة 74
    عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» ومنه يعلم جواز السلام على غير النبي من المؤمنين وأئمة الدين من بعيد وقريب، كل ذلك مضافاً إلى ماورد في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وزيارة قبور المؤمنين.

    وثانيها: التمسح يالضرائح المقدسة وتقبيلها والتبرك بها، فالإمامية حكموا بجوارها، والوهابية صاورا إلى المنع عنها، معللا بأنها عادات المشركين.

    والجواب عنها:

    أولا: إن المتبع في أمثال ذلك ـ مما لم يرد عنه نهى من الشارع ـ أصالة الإباحة في الأفعال والأقوال، حسبما عرفت في المقدمة.

    وثانياً ـ إن مجرد كون فعل من عادة جماعة من أهل الضلال لا توجب صيرورته حراما، كما عليه الإجماع الذي في كلام ابن تيمية في منهاج السنة قائلا: إن الذي عليه أئمة المسلمين أن ما كان مشروعا لم يترك لمجرد فعل أهل البدع، وأصل الأئمة كلهم يوافقون هذا ـ انتهى.

    وثالثاً: إن المسح لا يكون من الأفعال العبادية المتمحضة في العبادة حتى يكون محرما عند عدم الوظيفة الشرعية، وإنما هو من الأفعال العادية والحركات البدنية التي لا يتوقف الإتيان بها على صدور الأمر من الشارع، فلو أتى به الإنسان لا بقصد العباد لم يفعل محرماً، كما لو نظر إلى القبر أو جلس عنده وغير ذلك مما لا يتوقف على اتباع الشارع.

    نعم لو أتى به قاصداً به العبادة كان بدعة، وذلك لتوقف العبادة على
    الصفحة 57
    الأمر من الشارع المفقود هنا. وأما لو أتى به حباً وشرفا لصاحب القبر فلا يكون عبادة حتى يكون حراما مع عدم الاستنان شرعا.

    فدعوى الوهابية أن المسح على القبر عبادة يتوقف على الاتباع دون الابتداع يدفعها ما ذكرنا من المنع الشاهد عليه الوجدان، لنهوضه على أن من يمسح القبر ويمسه أو يستلمه لا يرى من نفسه إلا الحب والشوق والتبرك، لا عبادة القبر أو صاحبه.

    ورابعاً: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بعادة أهل الكتاب، كما في صحيح البخاري في باب صفة النبي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله يحب موافقة أهل الكتاب.

    وفي البخاري أيضاً في باب صيام يوم عاشوراء عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء يصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه.

    وفيه أيضاً عن أبي موسى قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فصوموه.

    وخامساً: أن التمسح بقبر النبي واستلامه نظير التمسح بحجر الاسود وتقبيله واستلامه واستلام الركن اليماني المسنون شرعا إجماعا، وعليه الصحاح والسنن.

    ففي البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال: لولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك.
    الصفحة 76

    فإذا صح أن النبي يقبل الحجر ولم يكن ذلك من نحو تعظيم الشجرة على انها ذات أنواط فليكن التمسح بالقبر هكذا، لوحدة الوجه المشروع.

    والعجب مع ذلك مما في رسالة أحمد الرومي نقلا عن الأزرقي عن قتادة في قوله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى» أنه قال: الناس أمروا أن يصلوا عند المقام ولم يؤمروا أن يمسحوا ـ انتهى.

    فإنه إن كان المسح به حراما وكان شركا خفياً فالصلاة أولى بعدم الجواز لعظم شأنها وتمحضها في العبادة. فتكون مفسدة الشرك فيها أعظم من مفسدة المسح، فإن قلت ـ كما قاله الغزالي ـ: اللازم عند استلام الحجر تصميم العبد على أنه يبايع الله، لما ورد أن الحجر يمين الله في الارض.

    قلنا: إن الغرض ذلك من مسح قبر النبي وقبر الوصي لما في التنزيل: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) .

    فإن قلت ـ كما قاله الغزالي في: ص209 من إحياء العلوم ـ: وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالمستجار فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حباً وشوقاً للبيت ولرب البيت وتبركا بالمماسة ورجاء للتحصن من النار، ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان، كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل.

    قلنا: إن الغرض من المسح والالتصاق بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الولي المطلق أيضاً ذلك عند الامامية حرفاً بحرف، فلا يقدمون عليه إلا ونيتهم التبرك وطلب القرب حباً وشوقاً إلى صاحب وسؤال الشفاعة منه
    الصفحة 77
    والإلحاح في بذل الشفاعة لهم يوم القيامة، نظراً إلى قوله تعالى: (وما كان الله معذبهم وأنت فيهم) وقوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وقوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لو جدوا الله تواباً رحيما) .

    قد صح عن النبي: إن مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق… وإن مثل أهل بيتي فيكم كباب حطة في بني اسرائيل.

    وسادساً: إن المعتمد في المسح عند المسلمين مافي صحيح البخاري في كتاب المناقب في باب صفة النبي وفيه عن الحكم قال: سمعت أبا جحيفة يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ ثم صلى الظهر، إلى أن قال: وقام الناس فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم. قال: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من المسك.

    وفي أواخر هذا الباب: أنه خرج بلال فنادى بالصلاة، ثم دخل فأخرج فضل وضوء رسول الله فوقع الناس عليه يأخذونه منه.

    أقول: فاذا صح التمسح بيد النبي والتبرك بفضل وضوئه حال حياتهم ولم يكن من جعل الآلهه وعبادة ذات أنواط، ولا من الأخذ بعادة اليهود والنصارى صح أيضاً التمسح والتبرك بقبره بعد وفاته لا تحاد الوجه.

    وسابعاً: إنه لو سلمنا كون المسح على القبر حراما شرعا واقعاً لكنه ليس لمن رأى أنه حراماً منع غيره ممن يرى أنه مباحا شرعا، اعتماداً على ما ذكرنا من الوجوه، لأن النهي عن المنكر إنما هو لمن يرى أنه منكر وليست
    الصفحة 78
    مسألة حرمة المسح على القبر من المسائل الضروية المسلمة عند كل طائفة أن تتبع رغائب طائفة اُخرى وإلا لبطلت المذاهب والإجماع على صحتها. مع أنها مختلفة في كثير من المسائل الفرعية. ولم يحكم أحد عليهم بوجوب الموافقة.

    وثالثها: صلاة الزيارة يصليها الزائر عقيب الزيادة في أي مكان شاء ويهدي ثوابها إلى روح المزور، ولا بأس بها شرعا لأن الصلاة خير موضوع ولكونها نظير قراءة القرآن وإهداء ثوابها إلى الميت.

    وقد أورد في البخاري في باب علامات النبوة: أنه خرج النبي يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم أنصرف.

    فالغرض بيان جواز الصلاة عند القبر أولا، وجواز الصلاة عند قبر المزور ترحماً على الميت وإهداء لثوابها إليه ثانياً، فتكون من النسك الجائزة، فيندفع بذلك ما في كتاب مجموعة التوحيد: من أن الغلاة ـ عنى بها الإمامية ـ إذا وصلوا إلى القبور يصلون عندها ركعتين… إلى قوله: فلا تكون صلاتهم لله تعالى بل للشيطان.

    أقول: فلو قال أن صلاتهم لله شكراً له تعالى لما وفقهم إلى زيارة قبور الأنبياء والأولياء ومنحهم من الفضل ما لم يمنح به غيرهم، لكان بمجنب عن متابعه الهوى وأبعد من الكذب والافتراء. والسلام من اتبع الهدى.

    ورابعها: سؤال الزائر من الله حاجته عقيب الصلاة، وهذا جائز وليس شركا ـ لا جلياً ولا خفياً ـ كما في الرسائل النجدية، فإن الدعاء لم يقيد بوقت خاص ولا مكان مخصوص لقوله تعالى: (ادعوني استجيب لكم) .
    الصفحة 79

    نعم أنكرت الوهابية جواز التوجه حال الدعاء نحو الحجرة النبوية، مصرحين بالمنع في رسائلهم، ويردهم قوله تعالى: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) .

    وفي البخاري: كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي على راحلته أينما توجهت به.

    (ودعوى) الوهابية ـ تبعاً لابن القيم ـ: أن ذلك من التشبه بعبدة الأصنام الذين يقفون تجاه اللات والعزى حال الدعاء، ولذا شرعا النهي عن الصلاة في أوقات خاصة وأماكن مخصوصة، فإنه لقطع مفسدة التشبه بعبادات أهل الشرك.

    مدفوعة بأنه لو كان حال الدعاء نحو المقبرة ذريعة إلى الشرك لزم الشارع أن يعينه بالنهي عنه، كما نهى عن الصلاة في الأماكن المكروهة أو المحرومة، ولما لم يبين مرجوعية التوجه حال الدعاء نحو الحجرة الطاهرة لا يمكننا الحكم بالمرجوحية بعد ثبوت الرخصة العامة في الآيات المذكورة، والحجة الشرعية تقتضي الأخذ بعموم العام إلى أن يأتي المخرج القطعي..

    وليس لنا في قبال الآيات البينات حجة وافية اليد عنها، فالحكم بخلافها سلوك منهج لم يأذن به الله تعالى، كل ذلك مضافا إلى ما حكم به الإمام مالك حين ما سأله المنصور فقال له: يا أبا عبد الله استقبل القبلة وأدعو الله أم أستقبل رسول الله؟ فقال مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله، بل استقبله واستشفع به ـ الحديث.
    الصفحة 80

    ولا يخفي أن هذه الرواية ذكرها جملة من أعاظم علماء السنة بأسانيد صحيحة فراجع شفاء السقام للإمام السبكي وخلاصة الوفاء للسمودي والمواهب اللدنية للعلامة القسطلاني، إلى غير ذلك من أقوال للعلماء في كتبهم حتى يظهر لك أنه لا وجه للحكم بالشرك على من توجه حال الدعاء نحو الحجرة الطاهرة.
    الصفحة 81

    المسألة السادسة

    قد نسب الوهابيون إلى الأمامية أموراً ليست في كتبهم، ولا توجد في أصول مذهبهم:

    منها: تجويزهم الطواف حول مراقد أئمتهم والحج إلى تلك المشاهد، اكتفاءاً منهم به عن الحج إلى البيت العتيق.

    ومنها: تقديمهم القرابين والنذور للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام، والحال أن النذر لا يكون إلا لله.

    ومنها: اتخاذهم تلك المراقد مساجد يعبدونها ويصلون إليها كما يصلى إلى الكعبة.

    فههنا دعاوى ثلاثة:

    الأولى: تجويز الشيعة الطواف حول المراقد المشرفة… ولا يخفى أنها مدفوعة، لعدم جوازه عند الموحدين فضلا عن المسلمين، فلو طاف أحد حول المراقد قاصداً به العبادة فهو كافر مشرك، وأما إذا طاف لا بذلك القصد بل بقصد التبرك والتشرف أو قاصداً به الإلحاح في طلب النجاح فلا يكون ذلك كفراً وشركا «ولكل امرئ مانوى».

    ولا يكون الطواف في حد نفسه عبادة يحرم إيقاعه مطلقاً، وإنما هو من الأفعال التي لا تكون عبادة إلا إذا أتى العبد به بقصد العبادة.

    وقد نص الشارع على أن الأعمال بالنيات، ويزيدك وضوحاً أن الشكر
    الصفحة 82
    إذا وقع لله كان عبادة له، بخلاف ما إذا وقع لغيره تعالى، ولذا جاز الأمر به لغيره في قوله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك) .

    وأوضح من ذلك وقوع الأمر بالسجدة لآدم عليه السلام، ولقد اجمع المفسرون لقوله تعالى: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً) على أن هذه السجدة ليست سجدة عبادة بل سجدة تعظيم، نظير سجدة الملائكة لآدم عليه السلام.

    فاندفعت شبهة الوهابية كما اندفعت أيضاً شبهة من يقول: إن أهل التوحيد كيف لا يجوزون عبادة غير الله تعالى؟

    والحال أن القرآن ناطق بجوازها من قوله تعالى: (وإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ومن قوله تعالى (يا أبت إني رأيت أحد عشركوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) وقوله تعالى: (ورفع أبويه على عرش وخروا له شجداً) ؟؟

    مضافاً إلى أن عليها عمل المسلمين، حيث يطوفون حول البيت ويعظمون الأحجار بالاستلام، فنقول ـ جواباً عن شبهتهم ودفعاً لتسويلاتهم ـ:

    إن المقصود بالطواف ليس عبادة البناء، وإنما هو كالسجود نحو الكعبة يراد به تعظيم المنسوب إليه، لأن البيت بيت الله تعالى، وأن سجدة الملائكة لآدم لم تكن سجدة عبادة، وإلا كان لإبليس أن يجيب بأنها شرك ينافي التوحيد، لا إنه يستكبر ويقول: أنا خير منه.

    الثانية: دعوى تقديم الإمامية الذبائح والنذورات إلى المشاهد، ويكذيها
    الصفحة 83
    الرجوع الى مصنفات الإمامية المصرحة بأن النذر والعهد والأضحية لا تكون إلا لله تعالى(1) .

    نعم المشاهد مأوى الفقراء والمساكين، فكل من يقدم إليها النذر أو القربان غرضه التفريق على المستحق لا غير، فكل من قال بغير ما قلنا فقد كفر بالله، وكل من نسب ذلك إلى الإمامية فقد كذب وافترى.

    الثالثة: دعوى أن الإمامية عباد القبور، فيسجدون إلى القبر.

    وفيها: أما أولا: فلأن الإمامية لايصلون الى أي قبر كان، ولاجرت عادتهم عليها، فلو صلوا أحياناً فذلك لا لكون القبر عندهم قبلة، وكيف يكون ذلك عند من يدين بالاسلام ويقول: بأن القبلة هي الكعبة؟؟ فهل رأى أحد أن الإمامية يضحون أو يذبحون على خلاف القبلة أو نحو قبور الأئمة مع أن مذابحهم بمرأى ومنظر من عامة الخلق؟

    جواز الصلاة الى القبر عن كراهية

    نعم الصلاة إلى القبر مسألة فقهية لادخل لها بالعقائد الدينية، ولم يذكرها واحد من أهل الفضل في أصول العقائد. ألاترى أن العلماء قاطبة اختلفوا في الصلاة في أماكن مخصوصة كراهية وتحريماً؟ مثل الصلاة في الحمام وبيوت الغائط وجواد الطرق وإلى نار مضرمة وإلىالصور والتماثيل أو إنسان مواجه مع أن القائل بالحرمة وفساد الصلاة فيها لم يقل بالكفر والشرك.

    وفي البخاري: باب كراهة الصلاة في المقابر، وفيه أيضاً: باب من صلى

    ____________

    (1) وهي جائزة في أي مكان كان حتى في بيت المسلم نفسه.
    الصفحة 84
    وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به وجه الله عز وجل. ثم ذكر ما يدل على جواز الصلاة إليها.

    قوله: (فأراد به وجه الله) شاهد على أن مورد البحث نفس الصلاة إلى القبر، كما يصلى الإنسان إلى أي جدار كان، من غير أن يجعل القبر مسجدا يصلى نحوه كما يصلى إلى الكعبة، وإلا فلا وجه لاختصاص الحرمة وفساد الصلاة بالصلاة إلى القبر، بل يعم سائر الصور التي قالوا فيها بالكراهة.

    بل لو صلى الإنسان نحو الحائط وجعله قبلة لصلاته عوضاً عن الكعبة كانت صلاته باطلة، ولو صلى لا بهذه الجهة كانت صلاته صحيحة.

    ومثل ذلك الصلاة نحو القبر حيث أراد المصلي بصلاته وجه الله لا وجه صاحب القبر، فإنها إذ لم يرد من الشرع ما يدل على الفساد والحرمة كانت صحيحة، ولذا ذهب في البخاري إلى الكراهة.

    واستدل علىالجواز بأن عمر رأى أنس بن مالك يصلى عند القبر، فقال: القبر القبر، ولم يأمره بالإعادة.

    وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلاها. وبأنه لما مات الحسن بن علي ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثم رفعت، أورده في باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور.

    وأما ثانياً: فلأن ما استدل به ابن تيمية بما عن عائشة أنه: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي مات فيه: لعن الله اليهودي والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجداً.
    الصفحة 85

    فالجواب عنه: إن الحديث لا دلالة له على حرمة الصلاة نحو القبر إذا أراد المصلى بهاوجه الله تعالى، وإنما يدل على لعن اليهود على اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد يعبدونها كما يعبدون موسى وعيسى، أو يجعلونها قبلة نظير بيت المقدس عندهم والكعبة عند المسلمين.

    كلام ابن عبدالوهاب وابن تيمية في الصلاة الى القبر

    ويشهد لذلك ما في منهاج السنة من رواية مالك في الموطأ أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم لا تجعل قبرى وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.

    فإن الحديث ناطق بحرمة اتخاذ القبر مسجداً يسجد إليه، ومعلوم أن ذلك شرك لو اعتقده المصلى.

    ويدل على ذلك ايضاً قول عائشة: «غير أنه خشى أن يتخذ مسجداً».

    قال السندي شارح النسائي: مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يحذر أمته أن يضعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم، من اتخاذهم تلك القبور مساجد: إما بالسجود إليها تعظيما، أو بجعلها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها.

    وعن النووي في شرح صحيح مسلم: قال العلماء: إنما نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية، ولذا قال في الحديث: «ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجداً» انتهى.
    الصفحة 86
    وقال جلال الدين السيوطي في شرحه على النسائي:

    قال البيضاوي: لما كان اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيما لشأنها، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانا لعنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنع المسلمين من مثل ذلك، وأما من اتخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه فلا يدخل في ذلك الوعيد.
    الصفحة 87

    المسألة السابعة

    في هدم المساجد المشيدة حول المراقد المشرفة

    مذهب الوهابية على وجوب هدم المساجد المبنية حول المراقد المشرفة واحتجوا لذلك: بأنها أسست على غير تقوى من الله، وبحديث عائشة: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة.

    وقال الإمامية ـ بل وسائر المسلمين ـ على جواز البناء وحرمة الهدم، لكونها من مساجد الله الواجب تعظيمها، نظير مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسجد الأموي وبيت المقدس الذي دفن فيه كثير من الأنبياء من ولد إسحق، وعليه السيرة القطعة أيضاً، وفتوى العلماء بأن من اتخذ فسحة منالمكان مسجداً ولو كان في ناحية القبر ـ نظير مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبره وقبر أبي بكر وعمر ـ جاز ذلك » كما عرفته من كلام البيضاوي وجلال الدين السيوطي.

    والجواب عن الرواية:

    أولا: أنها معارضة بما في البخاري وغيره من قوله صلى الله عليه وآله وسلم «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلاها»، وبأنه لما مات الحسن بن علي عليه السلام ضربت امرأته قبة على قبره إلى سنة فإنه يدل على جواز الصلاة في ناحية القبر بالملازمة الواضحة.

    وثانياً: أن كون النصارى واليهود شرار الخلق ليس من جهة بناء المسجد على القبر، وإلا لما مدح الله تعالى المؤمنين بقوله: (وقال الذين غلبوا على
    الصفحة 88
    أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً) بل لأن اليهود والنصارى زادوا على كفرهم كفراً آخراً، حيث أشركوا لأجل تعظيمهم صور الصالحين منهم بجعلها في معابدهم نظير الأصنام المعلقة في الجاهلية على الكعبة.

    وأين هذا ممن جعل فسحة من الأرض مسجداً لا يريد به غير التوجه إلى الله ولا تعظيم أحد غير الله؟

    والكتاب العزيز ناطق بجوازه، ففي تفسير الجلالين: «وقال الذين غلبوا على أمرهم» وهم المؤمنون و «لنتخذن عليهم» أي حولهم «مسجداً» يصلى فيه، وفعل ذلك عن باب الكهف.

    وفي تفسير الرازي «لنتخذن عليهم مسجداً» نعبد الله فيه ونستبقى آثار أصحاب الكهف يسبب ذلك ـ انتهى.

    وإذا جاز اتخاذ المسجد على باب الكهف بنص القرآن استبقاء للأثر من دون أن يكون شركا، فها نحن نعمل بما جوزه القرآن إلى أن يثبت بنص ـ يعتمد عليه ـ النسخ أو التخصيص المخرج عن حكمه.
    الصفحة 89

    خاتمة

    مباينة الوهابية لسائر المسلمين

    في بيان ما عليه الطائفة الوهابية، وهي عدة أمور اتخذوها شعاراً لهم، منها مباينتهم مباينة عظيمة لسائر طوائف المسلمين، حتى إنهم جعلوا ديارهم ديار توحيد وديار غيرهم ديار شرك، كما هو دأب الخوارج في أصول مذهبهم. وهذه مباينة مذمومة شرعاً، كيف لا وهي تفرق منهى عنه في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقوله سبحانه: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) .

    وفي البخاري في كتاب الفتنة عن حذيفة بن اليمان قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: هم من أهل جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرقة كلها.

    وليت علماء الوهابية الذين ألفوا رسائل في أصول التوحيد وبينوا فيها أنواع الشرك والكفر يعدون من أقسام الكفر كفر التفرقة عن الجماعة، نظراً إلى قوله تعالى (لست منهم في شيء) وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام».

    ومنها: أن الوهابية أصحاب الزلازل والفتن بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما
    الصفحة 90
    في البخاري في كتاب الفتن عن أبي عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مرتين: اللهم بارك لنا في يمننا، اللهم بارك لنا في شامنا. قالوا: وفي نجدنا؟ قال: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان.

    وفيه أيضاً عن سالم عن أبيه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال إلى جنب المنبر فقال: الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان.

    وأيضاً عن نافع عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: ألا إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان.

    وفي شرح السنة عن عقبة ابن عمر قال: أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده نحو اليمن وقال: الإيمان ههنا، إلا أن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرن الشيطان.

    في شرك المحبة والرد عليه

    ومنها: أنهم جعلوا من أقسام الشرك «شرك المحبة» كما في كتاب مجموعة التوحيد، واستندوا في ذلك إلى قوله سبحانه: (ويجعلون لله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله) .

    وفيه: أنه لم يتحصل معنى لما جعلوه شركا، فإن أرادوا أن مجرد محبة غير الله شرك لزم عليهم شرك المسلمين جميعاً لمحبتهم آبائهم وأولادهم وأموالهم وأحبائهم، ولم يقل به أحد ولم يأت به شرع، وإن أرادوا أن المحبة ينتهى بها الأمر إلى عبادة المحبوب من الأنبياء والصديقين، قلنا: إن الانتهاء إليها ممنوع ولاملازمة إلا عند الغلاة، وما عداهم من المسلمين لا يعبدون من يحبونه
    الصفحة 91
    من نبي أو صديق بل يحبونهم لحب الله، لا إنهم يحبونهم كحب الله، فلا يجدون في أنفسهم إلا هذا المقدار من المحبة والمودة للأنبياء والأولياء. ولذا لم يقولوا في حقهم إلا ما قاله الله ولا يثبتون لهم إلا ما أثبته الله من القرب والمنزلة ورضى لهم من الشفاعة.

    والعجب أن لو سئل من الوهابية: إنكم تحبون رسول الله؟ فيقولون نعم، مع أن محبتهم للنبي لا ينتهي الأمر بهم إلى الشرك الخفي، فكيف تنتهي محبة غيرهم لولي أو صديق أو إمام معصوم إلى الشرك؟

    ومنها: أجتراؤهم على الله ورسوله بهدم القباب الطاهرة لأئمة البقيع الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأن ذلك منهم إنكار لمودة ذي القربى التي هي من الضروريات الثابتة بالكتاب والسنة لقوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) فأقدمت جماعة من الأعراب على تخريب قبور أهل بيت رسول الله، كما أقدمت السابقة منهم على قتلهم، كم ترك الأول للآخر. وكم اقتفى المتأخر أثر المتقدم؟ فتركوا جميعاً وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته وراء ظهورهم.

    هذا مع أن في الهدم بعد البناء من هتك احترام الميت ما لا يخفى…

    كيف لا والحال اتفقت المذاهب على أن المشي على قبر المؤمن والاتكاء به والجلوس عليه هتك لحرمته؟ فبالأولوية القطعية يكون هدمه وتخريبه هتكاً لها.
    الصفحة 92

    هدم الوهابية للقبور

    والذي ينبئك عن أن هدم قبور أئمة البقيع هتكا لهم وتعرضاً بسوء إليهم ما نشره السلطان ابن سعود في المفاوضات الهندية قائلا في ص17:

    «ذكرتم أسئلة ستة تتعلق بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيته، فقد أعلنا غير مرة رأينا في أن قبر النبي وبيته ندافع عنه بأموالنا وأرواحنا وبكل ما نملك ولم نقف أمام المدينة المنورة ونكتفي بحصارها إلا حرمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولمسجده».

    وقال ايضاً في بعض مراسلاته إلى بعض العلماء:

    وبعد، فإننا نذكرهم أن القبة النبوية لم يمسها أحد بسوء ولم يخطر ببالنا قط أن نمسها بسوء، وإن للرسول حرمة لدينا لا تدانيها حرمة» انتهى.

    فإنه كما ترى معترف بأن الباعث لحفظ مرقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو احترامه بحيث لو مسته يد التخريب كان ذلك سواءاً منافياً للإحترام، وليته أيضاً يعترف بأن احترام النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحترام أهل بيته موجب لحفظ مراقدهم وعدم مسهم بسوء، وإلا فأي فرق بين الاحترامين؟ أم أي تفكيك بينهما.

    والحال أن ذرية النبي صلى الله عليه وآله أبعاضه بنص القرآن «إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم».

    وفي البخاري: «فاطمة بضعة مني» فهم أبعاضه صلى الله عليه وآله، واحترامهم احترامه، وهتكهم هتكه، صلى الله عليه وآله، فإذا كان هدم
    الصفحة 93
    قبة النبي صلى الله عليه وآله مخالفاً لقول الله تعالى وتركاً للسنة ومساً بسوء كان هدم قبور آل الرسول كذلك أيضاً، والفرق تحكم بحث وقول بغير علم.

    البناء على القبور في الأرض المسبلة

    ومنها: ذهاب علماء الوهابية إلى أنه لو كان البناء على القبور في أرض مسبلة للدفن وجبت إزالتها لأنها تضيق على الناس، وجعلوا هذا وجهاً مصححاً لهدم القباب فيالبقيع. لكنه يتوجه عليهم:

    أولاً: سؤال الوجه في هدم سائر البناءات التي ليست في البقيع، أو لم توجب الضيق على الناس، فإنه يحرم هدمها حيث أنه تصرف في أموال المسلمين وتضييع عليهم.

    وثانياً: إن ذلك في الأراضي المسبلة للدفن دون المباحات الأصلية التي منها البقيع، حيث لم يعهد من أحد وقفها وتسبيلها للدفن، بل ولم يعهد أن أحداً ملكها ثم سبلها، فعلى من يدعى الوقف والتسبيل إثبات ذلك كله.. وعلى ماذكرنا يستحق المسلمون منها مقدار حيازتها بدفن أو بناء على قبر.

    وثالثاً: إن الهدم والتخريب فيما لو وجد بناء على قبر في أرض موقوفة للدفن وعلم أصله وأنه وضع بغير حق، وأما لو وجد بناء في أرض مسبلة ولم يعلم حاله ترك على حاله، لاحتمال أن يكون وضع بحق واللازم حمل فعل المسلم على الصحة فكيف بأفعال المسلمين في طول هذه المدة؟ فإن تلك البناءات والقباب تناولتها أيدي المسلمين في كثير من الأحقاب، وكانت بمرأى من الخلفاء والعلماء ولم ينكرها أحد ولا ادعى أنها بنيت على غير حق إلى أن
    الصفحة 94
    ظهرت الوهابية فأقدمت على هدم تلك القباب الطاهرة ورفع آثارها وهدم المساجد المبينة حولها، بلاحق أظهروه ولاعدل أفشوه، بل ذلك خلاف منهم لله ولرسوله ولسيرة الخلفاء من بعده.

    تجاسر الوهابيين على المسلمين

    ومنها: تجاسر الوهابيين على المسلمين بقتلهم وهتك أعراضهم ونهب أموالهم، حتى إن السلطان أقر على ذلك كما أعلن بذلك في المنشور بعنوان المفاوضات لوفد جمعية خدام الحرمين، لكن جلالة السلطان ابن سعود برأ نفسه من كل عمل عمله أي رجل من قواده وجنوده مما لا يجوز الشرع قياساً لحاله بحال النبي صلى الله عليه وآله، وحال قواده بحال خالد بن الوليد حين بعثه النبي إلى رهط من العرب ـ لا على قتالهم ـ فخدعهم خالد وقتلهم، فلما انتهى الخبر إلى النبي رفع يديه نحو السماء وقال: «اللهم إني أبرأ إليك من صنع خالد» ثلاث مرات.

    أقول: مقايسة حال جلالة السلطان بحال خالد بن الوليد ليست من تمام الجهات، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبعث خالداً للمقاتلة، وإنما هي شيء أتى به خالد من عند نفسه، والجنود المبعوثة من جانب السلطان إلى الحجاز إنما بعثت للقتال والجدال مع الخصم.

    ومعلوم أن في الأقطار الحجازية من تكون ذمته بريئة ولا عهد ولا ميثاق له في المقاتلة والمجادلة، مع ما فيها أيضاً من النساء والصبيان وغيرهم من الضعفاء، والواجب على السلطان العارف بحقوق الرعية عدم التجاوز عن الحدود الشرعية المقررة في باب الجهات والدفاع عن البلاد، فلا يبعث إليها من يسومهم سوء
    الصفحة 95
    العذاب ويعامل مع المسلمين المبرئين معاملة الألمان في بلاد بلجيكا والفرنسيين، ويسايرهم بسيرة الأوربيين.

    أو يقال في مقام الاعتذار للوفد الهندي كما في المفاوضات المطبوعة اليوم:

    «وليس ماوقع في الطائف بدعا في تاريخ الحروب في العالم، فهذه أفعال الألمان في القرن العشرين مسطورة في بطون التاريخ من أعمال جنودهم في بلاد بلجيكا وبلاد الإفرنسيين، بل هذه أعمال جنود الخلفاء وسيرتهم في سائر البلاد التي دخلوها» انتهى.

    فإذا كان هذا حال المسلمين في الجهاد وفتحهم البلاد، وهذا عذرهم إذا اعتدوا على واحد من أنفسهم وإخوانهم في الدين، فعلى الإسلام السلام، لأن سلوك مسلك الكفارخروج عن الدين. كيف لا؟ والحال أن الكفار لا يرون دون إنجاح مقاصدهم لواحد منهم أو من غيرهم عهداً ولا ذمة، وأين هذا من دين المسلمين المؤدبين بآداب سيد المرسلين؟؟

    حتى إنه صلى الله عليه وآله جعل لهم في جهادهم شرائط شرعية واجبة الرعاية. التي لا يراعى واحداً منها أحد من الكفار والمشركين.

    ثم إن ما قيل أو يقال في مقام الاعتذار من ناحية جلالة سلطان نجد ينافي ما صدر منه في ص16 من المنشور المبوع باسم المفاوضات ما هذا نصه هو:

    «إن ديننا دين الإسلام ومرجعنا في أعمالنا كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسنة الخلفاء الراشدين من بعده وما عليه الأئمة الأربعة، الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أبوحنيفة، والإمام أحمد رحمهم
    الصفحة 96
    الله تعالى. فإذا كان لدى أحد من الناس حجة يوردها علينا في أمر من الأمور فيما يتعلق بهذه الأقسام الثلاثة من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو من أعمال السلف الصالح أو من أقوال الأئمة الأربعة فليتفضلوا علينا بها لتكون أول المطيعين» انتهى.

    أقول: إن كان الأمر كما ذكره جلالة السلطان وصدر من حضرته هذا الإعلان، فإني أقسم عليه برب الكعبة أن يراجع هذه المسائل المحررة في هذه الرسالة حتى يتبين لحضرته الحق وينكشف لديه الصواب، ويظهر له أن ما صنعته الأعراب من هدم المآثر الإسلامية لو كان بأمر منه فليتدارك، وإلا فالمشتكى إلى الله تعالى ونحتسب عنده ذلك.

    ولنا التسلى بما صدر قبل الإسلام من تخريب مردة الدين الكعبة والبيت المقدس وسائر الأماكن المشرفة، وكلك ما صدر بعد الإسلام مما صنعه يزيد بن معاوية من قتله ابن رسول الله وتركه تلك الجسوم الطاهرة على وجه الأرض بلا غسل ولا كفن ولا دفن، ثم عطفه على تخريب الكعبة وإباحته المدينة، بل وما صنعه الحجاج في واقعة ابن الزبير ورميه الكعبة بالمنجنيق..

    ثم أقول: لو كانت ذمة جلالة السلطان في الواقع مشغولة، فالتبرئة لا تدفع عن حقوق الناس المتعلقة بالنفوس والأموال، بل الواجب أداء حضرته ما عليه من الحقوق التي صار هو سبباً لتضييقها على صاحبها، والنبي صلى الله عليه وآله معلوم أنه كان برىء الذمة، وإنما تبرأ جهاراً ليعلم الناس بأن ما فعله خالد منالقتل والنهب خلاف لله ولرسوله، ولكنه مع ذلك أرسل علياً عليه السلام لتدارك ما أتلفه خالد على الرهط وجنى عليهم. وأين هذا من صنع السلطان؟
    الصفحة 97
    فالقياس الصحيح بحال النبي صلى الله عليه وآله يقتضى أن يصنع السلطان مع المسلمين الذين جنت عليهم جنوده وقواده مثل ما صنع النبي صلى الله عليه وآله من أدائه رسوم الجنايات والتعويض لهم بما أخذ منهم، فإن لكل مؤمن برسول الله أسوة حسنة.

    ومنها: أن الوهابية منعوا عن الحرية المذهبية في الديار النجدية والحجازية، وضيقوا على المسلمين في الأخذ بمذهبهم وما أباحه الشارع لهم على طريقتهم، فجعلوا يرمون من قال: يا محمد، ويا رسول الله، بالكفر والشرك، ومنعوا الناس من الترحيم والتذكير والتسليم في أوقاتها، ومنعوا عن مسح قبر النبي صلى الله عليه وآله والالتصاق به والتوجه إليه حال الدعاء، ومنعوا عن شرب التتن وغير ذلك مما لم يصرح الشارع بحرمته والانتهاء عنه ـ لاخصوصاً ولا عموماً.

    منع الوهابيين عن الحرية الدينية

    وقد أعلنوا ـ كما في ص17 من المفاوضات الهندية:

    «إن كل مسلم حر في كل قول أو عمل يجيزه الاسلام، ونمنع من كل قول أو عمل يحرمه الإسلام، إن الحجاز هو مصدر الإسلام وأساسه، فإذا لم تكن الكلمة العليا فيه لكتاب الله ولسنة رسوله ولما كان عليه السلف الصالح، ففي أي مكان تكون الكلمة العليا لهذه الأسس العظيمة» انتهى.

    والجواب عن هذا الإعلان: إن المراد من الحرية المذهبية المعروضة لدى السلطان ليست ما أقدمت عليه الأمم الأوربية كي يستحق الوفد هذا الجواب
    الصفحة 98
    منه: وإنما يراد بها ما أعلنه الشارع في كتابه وسنة رسوله بقوله: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) .

    ومقتضى الآية ـ مضافاً إلى ما عرفت في المقدمة ـ إباحة ما منعت عنها الوهابية وزجرت الناس عليها، كما أن مقتضى قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتاً أو دماً مسفوح) إباحة التدخين، فإن الآية وردت في تلقين النبي صلى الله عليه وآله طريق إبطال شريعة اليهود حيث حرموا بعض ما رزقهم الله افتراء عليه.

    والتعبير عن عدم وجود الحرام بعدم الوجدان للإشارة بعد إلقاء الخصوصية إلى كفاية عدم الوجدان في الرخصة والحلية، وأنه طريق إلى معرفة الأحكام الشرعية.

    ومثل هذه الآية في الدلالة على حلية شرب التتن قوله تعالى: (وما لكم أن لا تأكلون مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم) حيث دلت على كفاية خلو ما فصل من المحرمات عن ذكر حرمة شرب التتن في الحكم بعدم الحرمة.

    ويكفي هذا المقدار من الآيات في نهوض الحجة على البراءة الشرعية وتكون هي الكلمة العليا في الأقطار الحجازية.

    ولا يجب على المسلمين أن يجتمعوا على مذهب واحد، وإنما يجب عليهم اتباع الكتاب والسنة حسبما أدت إليه أنظارهم لقوله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) ، ولقوله سبحانه: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا
    الصفحة 99
    قومهم إذا رجعوا إليهم) وقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) .

    وفسر أهل الذكر بالعلماء من غير حصر في واحد أو أزيد، فهم المرجع للعوام، كما أن المرجع للعلماء الكتاب والسنة.

    وليس في آية أو رواية من حرمة التدخين شيء، والإسراف والتبذير واللغوية جهات خارجية لا تتوجه إلى من يرى الانتفاع بها، وليس التتن مما تنفر الطباع منه كي يعد من الخبائث.

    في حلية شرب التتن

    ولو سلم فليس بأشد تنفراً من القهوة المرة والعقاقير المتداولة، ولو رأت طائفة أنه حرام ليس لهامنع الشارب إذا رأى أن شرب التتن مباح، فإن النهي عن المنكرإنما هو لمن يراه منكراً، وليست مسألة جواز التدخين أو حرمته من المسائل البالغة حد الضرورة كالصلاة والصوم، والأحكام المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة، وليس لأحد أن يلزم الناس بقول قاله شيخ أو رئيس أو حاكم أو أمير إذا لم يوافقه قول الله وقول رسوله.

    قال ابن تيمية في ص32 من الجزء الثالث من منهاج السنة: من اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة فهو كافر ـ انتهى.

    والقرآن حكم عدل وقول فصل ينادي بحيث يعرفه كل عربي: بأن
    الصفحة 100
    الحكم بما أنزل الله فلا محيض له عن أن يسند حكمه إلى ركن وثيق، وإلا كان حكما بغير ما أنزل الله.

    تمت الرسالة بعون الله وحسن توفيقه يوم الجمعة لخمس بقين في شهر ربيع الأول في شهور سنة 1346هـ.

    وقد تم طبعه في النجف الأشرف ـ العراق في غرة رجب سنة 1382هـ. وأعيد طبعه في الأوفست في طهران في سنة 1394هـ.

    وتم طبع هذا الكتاب بطبعته الثالثة بالقاهرة بمعاونة الأستاذ إبراهيم أحمد إبراهيم وكان ذلك يوم 9 أبريل سنة 1977 ـ 20 ربيع الثاني سنة 1397هـ.

    en réponse à : ابن عبدالوهاب #222050
    hayefmajid
    Membre

    مع أن الحياة والممات، والشفاء والسقم من الله تعالى ولا يقول بجواز مثل ذلك السؤال من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

    والحال أن في صحيخ الخبر؛ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم ضرير البصر أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة. يا محمد: إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه في.

    رواه الترمذي وصححه الحاكم وابن ماجه عن عمران بن حصين، كما أقربه الشيخ سليمان بن سحمان النجدي في رسالته.

    والعجب من الشيخ المزبور أنه قال: الحديث دليل لنا، إنه لا يدعي غير الله، لقوله: اللهم إني اتوجه إليك.

    والحال أنه غفل عن الخطاب الحاضر بقوله: (يا محمد إني توجهت بك إلى ربي) المشتمل على النداء والتوسل، فيبطل كلام من أبطل التوسل بغير الله مطلقاً، الأحياء والأموات!!

    كيف لا؟ وفي صحيح البخاري: باب (سؤال الناس الاستسقاء إذا قحطوا) وفيه في باب علامات النبوة عن ثابت، عن أنس، قال: أصاب المدينة قحط على عهد رسول الله، فبينما هو يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلكت الكراع، وهلكت الشاة. فادع الله يسقينا، فمد يده ودعا … الحديث.
    الصفحة 38

    توسل عمر بعم النبي العباس

    وأعجب من ذلك: دعوى الشيخ سليمان النجدي اختصاص التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره، مع أن في صحيح البخاري: أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم إذا قحطنا فسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون.

    وفي خلاصة الكلام عن العلامة القسطلاني ـ في المواهب: أن عمر لما أستسقى بالعباس قال: أيها الناس إن رسول كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد، فاقتدوا به في عمه العباس، واتخذوه وسيلة إلى الله.

    ففيه التصريح بالتوسل بغير النبي، لأن فعل عمر حجة عند الجميع، بل وفعل الصحابة، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أصحابي كالنجوم. بأيهم اقتديتم اهتديتم.

    ومع ذلك فهل يتوهم أن هؤلاء الذين التجوا بالنبي عند القحط أشركوا في توسلهم؟ أو أنهم أعرضوا عن قوله تعالى: (ادعوا ربكم)(1) وقوله تعالى: (فلا تدعوا مع الله أحداً)(2) .

    أو أن عمر أراد من ضمه العباس في الدعاء الشرك بالله؟ أو أنه لميعرف من معالم الدين قدر ما فهمه الوهابيون؟ كلا، إن هذا بهتان عظيم على اُمناء الدين.

    ____________

    (1) الاعراف: 55.

    (2) الجن: 18.
    الصفحة 39

    فلو كان التوسل ونداء غير الله شركا لما كان فرق بين المستغاث به حيا أو ميتا، وكون الحي قادراً لا دخل له بمسألة الإيمان والكفر ولم يذهب أحد من العلماء في أصولهم: إلى أن اعتقاد القدرة من العقائد الدينية، مع أن لازمه أنه إذا اعتقد المضطر قدرة المتوسل به وإن كان ميتا لما كان التوسل به شركا، أو أنه اعتقد عجز الحي والتجأ به كان شركا، ولم يقل به أحد.

    نعم: السؤال من العاجز مع إحراز عجزه لغو، لا أنه شرك، وإلا لزم انقلاب الإيمان إلى الشرك، وبالعكس عند تبديل العجز بالقدرة والتمكن بعدم المقدرة!

    فإن قلت: إن الله تعالى أعطى القادر من عبادة القدرة والقوة وأنا اطلبه مما أعطاه الله تعالى.

    قلت: الجواب من ذلك هو الجواب الذي قاله ابن عبد الوهاب حرفاً بحرف في الرد على من قال بصحة الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة عليهم السلام.

    فنقول: إن الله أعطاه القدرة، ولكن نهاك عن دعاء المخلوق في قوله: (لاتدع مع الله أحداً) ، وقوله: (ادعوا ربكم تضرعا) ، وقوله تعالى: (فصل لربك وانحر) ، وقوله: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) . فان قلت: إن الحول والقوة إذا كانا من جانب الله كان دعاء القادر دعاء لله لا دعاء مع الله.

    قلنا: إذن لا فرق بين الوقوف بين يدي القادر المتمكن والسؤال منه
    الصفحة 40
    أو الوقوف على قبره وجعله شفيعاً إلى الله في قضاء الحوائج، ودعوى الفرق مكابرة صرفة في المهم.

    فإن قلت: إن ذلك من جعل الإلهة نظير وقوف المشركين على أحجارهم وأخشابهم التي كانوا يعبدونها في الجاهلية.

    قلنا: الوقوف بين يدي الحي والالتماس منه أيضاً من جعل الآلهة نظير وقوف عبده موسى وعيسى ومريم، والذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، فالوقوفان على نمط واحد؟

    فما للوهابيين لا يكادون يفقهون حديثاً؟؟!!

    ثم إن الجواب عما استدل به ابن تيمية لمنع رفع الحوائج إلى قبور الأنبياء والصالحين: أن قوله تعالى: (إن الذين تدعون من دون الله) … إلخ..

    هو إنها ـ باتفاق المفسرين ـ واردة في خصوص الكفار والمشركين العاكفين على أصنامهم، بزعمهم أن البدائع السماوية مفوضة إلى الكواكب التي على صورتها تلك الأصنام حسب تخيلهم، فأبطل الله دعواهم بأن تلك الأصنام جماد ليس من شأنها السماع، ولا تنمكن من إجابة الدعوة، فكيف تتمكن من الأفاعيل الخارقة للعادة؟؟

    ثم إنه سبحانه حكم بشركهم لاتخاذهم تلك الأصنام شريكا لله في الخلق وتدبير العالم وجوزوا عبادتها خلافاً لله تعالى فيما نهاهم عنه على لسان أنبيائه يقوله تعالى: (فلا تجعلوا لله أنداداً) وقوله سبحانه: (أتعبدون ما تنحتون) وأين هذا ممن لا يعتقد في الأنبياء والصلحاء الخلق والتدبير ولا يعتقد
    الصفحة 41
    عبادتهم؟ بل ولم يقف أمامهم إلا بغرض الاستشفاع الذي نطق به الكتاب والسنة.

    ان الأمور بإرادته ورضاه

    ثم إن للوهابية حججاً غير وافية بمقصودهم من حرمة الاستشفاع و التوسل والاستعانة.

    (أحدهما) قوله تعالى: (إن الأمر كله لله) .

    وفيه نظر واضح، فإن الأمر ـ وإن كان كله لله تعالى ـ فلا يكون إلا بإرادته ورضاه، إلا أنه لا ينافي ثبوت الشفاعة الحسنة للأنبياء والأولياء في الدنيا والآخرة بعد الإذن من خالق البرية، كما أنه لا ينافي ثبوت الخلق وإحياء الموتى وشفاء المرضى لعيسى عليه السلام بعد الإذن من خالق السماء فالموحدون طراً على أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنه ما من شىء إلا عنده خزائنه وما ينزله إلا بقدر معلوم.

    لكنه تعالى مع ذلك جعل لكل شئ سبباً، وأبى أن يجري الأمور إلا بأسبابها المتعارفة، ولولاه لما قال موسى عليه السلام: (هذه عصاى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى) أو يقول لأهله: (امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم بقبس أو أجد على النار هدى) .

    فالأنبياء مع أنهم معصومون استعانوا بغير الله تعالى، حتى نزل في حق محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) .
    الصفحة 42

    قال ابن تيمية: إن قوله تعالى: (ومن اتبعك) معطوف على الكاف في حسبك، والمعنى حسبك الله وحسب من اتبعك.

    أقول: هذا خلاف لظاهر الآية ومناقض للصناعة النحوية، للزوم العطف على الضمير المجرور بلا إعادة الجار ـ أعني المضاف وهو لفظ حسب ـ فمقتضى ظاهر الآية كون النبي مستمداً من الله ومن المؤمنين، كاستمداد عيسى عليه السلام بالحواريين حيث قال: من أنصاري إلى الله، وكاستمداد موسى بأخيه هارون حتى نزل في حقه: (شنشد عضدك بأخيك) ، وقال لوط عليه السلام لو كان لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد. وقال سبحانه: (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث) ـ أي قويناهما بثالث.

    استنصار الله والأنبياء بالمخلوقين

    ومع هذه الآيات البينات كيف تنكر الوهابية جواز الاستمداد بالمخلوق والحال إن الله تعالى ـ مع قوته القاهرة ـ استنصر عبادة بقوله عز شأنه. (إن تنصروا الله ينصركم) . وقوله تعالى: (والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنين) وثانيها ما عن بعض علماء الهند من أن الاستعانة بالمخلوق ينافي الحصر المستفاد من قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) .

    والجواب عنه أولا: أن المقصود من الآية الاستعانة بالله في العبادة والهداية، بقرينة قوله: (إياك نعبد) وقوله: (اهدنا الصراط المستقيم) فكأن المصلي يقول: يارب أتيت بالعبادة وبك أستعين في إتمامها.

    فإن قلت: الظاهر العموم، وأن المعنى أستعين بك يا رب في جميع أموري ولا أستعين بغيرك.
    الصفحة 43
    قلت: هذه المرتبة من التوكل على الله والتوسل به تعالى ـ وإن كانت راجحة لقوله سبحانه: ومن يتوكل على الله فهو حسبه، وقوله: فإن تولوا فقل حسبي الله عليه توكلت ـ إلا أن الكلام في وجوبها عقلا وسمعاً، والظاهر عدم وجوبها عقلا بعد اعتقاد العبد أن المدبر الحقيقي هو الله، وأن الاعتماد على غيره من باب أنبت الربيع البقل، وأن الأسباب مقضيات عادية عليها ولذا قال سبحانه: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، ولا وجوبها شرعا وإلا لزم شرك الأنبياء حيث استعانوا بغير الله، ولزم الأمر بالشرك في قوله تعالى: (تعاونوا على البر والتقوى) .

    وثانياً: إن مقتضى الآية حرمة الاستعانة بالمخلوق حيهم وميتهم وهذا ينافي التفصيل الذي ذهب إليه ابن عبد الوهاب، فإنه في رسالته في الرد على شيخ الطائفة الإمامية الشيخ جعفر النجفي عند استدلاله (قده) لجواز التوسل بالمخلوق بأن الناس يوم القيامة يزحفون إلى آدم عليه السلام ثم إلى نوح عليه السلام ثم إلى أبراهيم عليه السلام ثم إلى موسى ثم إلى عيسى، وكلهم يعتذرون حتى ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهذا يدل على أن التوسل بغير الله تعالى جائز وليس شركا.

    قال: الجواب أن الاستعانة بالمخلوق على ما يقدر عليه لا ننكرها، كما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحروب وغيره في أشياء يقدر عليه المخلوق، وإنما نحن أنكرنا الاستغاثة التي يفعلونها عند قبور الأولياء في غيبتهم في الاشياء التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى.
    الصفحة 44

    مناقضة ابن عبد الوهاب نفسه في الاستعانة

    قلت: ما الوجه في الإقرار بالأول وأنكار الثاني، مع أن الدليل لا يساعد على هذا التفصيل، فإن كان منشأه عجز الميت وقدرة الحي لزمه عدم جواز التوسل بالحي في صورة عجزه، وإن كان لأجل منافاة سؤال المخلوق لدعاء الخالق فذلك يقتضي عدم جواز السؤال من الجي وإن كان قادراً.

    فأين قوله «إنا لا ننكر الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه» فما ذكره ابن عبد الوهاب اشبه شئ بكلام من ضاق عليه الخناق، فلا يدري ماذا يقول فيتشبث تارة بأن دعاء المخلوق وندائه عبادة له فيكون شركا، وأخرى يكون دعاء الميت لغواً، فإن كان لغواً فمن أين يكون شركا؟ إذ لا تلازم بين اللغوية والشرك، وإن كان شركا فمن أين جاء التفصيل بين كون التوسل به حياً أو ميتاً.

    وحيث أنه لم يعرف معنى كلام شيخ الطائفة أورد عليه بما لا محصل له والعجب من قول ابن عبد الوهاب في رسالته: الاستغاثة بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم ان يدعوا الله أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف.

    فإنه يرد عليه أن الغرض من الاستغاثة بصالح المؤمنين دعائهم إلى الله لصاحب الحاجة حتى يستريح من العناء والشدة فإن لهم سلام الله عليهم دعوة مستجابة.

    وأعجب من ذلك قوله في كشف الشبهات كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
    الصفحة 45
    يسألونه في حياته، وأما بعد موته فحاشا وكلا، إنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلف على من قصد دعاء الله عند فكيف دعاء نفسه؟

    فإنه يرد عليه أما أولا فلأن السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم ينكروا التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله حال حياته ولا بعد وفاته، بل كانوا يتوسلون به من قبل وجوده، وعليه مذهب المسلمين كافة ما عدا الطائفة الوهابية الذين عبروا عنه بالشرك الأكبر، وأباحوا لأجله دماء المسلمين وأموالهم على خلاف الكتاب والسنة وما عليه الصحابة. وذلك لما رواه البيهقي وابن أبي شيبة بإسناد صحيح ـ كما قاله أحمد بن زينى دحلان في خلاصة الكلام ـ من أن الناس أصابهم قحط في خلافة عمر، فجاء بلال بن الحرث إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم هلكوا، فأتاه رسول الله في المنام فأخبره أنهم يسقون.

    وليس الاستدلال من حيث الرؤيا، إذ لا يثبت بها الحكم شرعاً. وإنما الاستدلال بفعل بلال الذي من الأصحاب، فإتيانه لقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وندائه وطلبه الاستسقاء لأقوى دليل على أن ذلك أمر جائز وليس من الشرك.

    وفيها أيضاً رواية الطبراني والبيهقي: أن رجلا كان يختلف إلى عثمان في زمن خلافته في حاجة، فكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فشكى ذلك لعثمان بن حنيف فقال له: ائت الميضاة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل، ثم قل: «اللهم أني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد، إني اتوجه بك إلى ربك لتقضي حاجتي» وتذكر حاجتك، فانطلق الرجل فصنع ذلك
    الصفحة 46
    ثم أتى باب عثمان فجاءه البواب فأخذه بيده فادخله على عثمان فأجلسه معه وقال: اذكر حاجتك فذكر حاجته فقضاها.

    وفيها ايضاً: روى البيهقي باسناد صحيح في كتاب دلائل النبوة ـ الذي قال فيه الحافظ الذهبي: عليك به كله هدى ونور ـ عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله: لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد الا ما غفرت لي … الحديث.

    فيمن توسل بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

    قال أحمد بن زينى دحلان: رواه الحاكم وصححه والطبراني.

    وإلى هذا التوسل أشار الإمام مالك للدوانيقي، وذلك لما حج المنصور وزار قبر النبي صلى الله عليه وآله سال الإمام مالكا ـ وهو بالمسجد النبوي ـ وقال له: يا أبا عبد الله استقبل القبلة وأدعو أم استقبل رسوله الله؟ فقال مالك: لم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله، بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله فيك. قال الله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما) … انتهى.

    ومما يدل على جواز التوسل بالنبي بعد وفاته ما في خلاصة الكلام عن العلامة السمهودي قال: روى الدارمي في صحيحه عن أبي الجوزاء قال قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت: انظروا إلى قبر رسول الله فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب.
    الصفحة 47

    فعلم من جميع ذلك أن التوسل والتشفع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبجاهه وببركته من سنن المرسلين وسيرة السلف الصالحين، لا كما توهمته الوهابية من أن نداء الأموات والغائبين لم يجوزه الشرع، وأنى لهم بذلك والحال أن الشرع على خلافهم؟؟

    ويكفيك الأحاديث الواردة في زيارة القبور المشتملة على النداء والخطاب للميت من قول: «السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين» وما ورد في تلقين الميت بعد دفنه من الخطاب والنداء المتفق عليه من قول الملقن: يا عبد الله هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا آله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.

    وقد أسمعناك نداء الني صلى الله عليه وآله كما في البخاري وغيره من الصحاح والسنن كفار قريش بعد إلقائهم في القليب وقال: إنهم يسمعون ولكن لا يجيبون وأين ندائهم هذا، من نداء من يسمع نداء الخلائق ويجيبهم ويرد سلام من يسلم منهم عليهم لأنهم أحياء يرزقون، فيجوز نداؤهم والوقوف على قبورهم والاستشفاع بهم، وليس من الشرك كما عن الوهابية تدليساً على الجهلة وإغواء لهم عن أن ينالوا ببركة النبي صلى الله عليه وآله أعظم المثوبة، وترتفع عنهم السيئة العظيمة ولا يقعوا في المخاطرات الدنيوية والأخروية.

    وأما ثانياً فلنا سؤال: إن السلف لماذا أنكروا دعاء الله عند قبر النبي والحال أن القبر وجوانبه حرم الله وحرم رسوله ومحل الوحي ومهبط الملائكة، وكل مكان كان كذلك استحق زيادة الفضيلة لدعاء الله التي هي العبادة، ففي كتب المناسك لعلماء المذاهب جميعاً عند ذكرهم زيارة النبي صلى الله
    الصفحة 48
    عليه وآله أنه يستحب للزائر أن يدعو عند القبر ويتوسل إلى الله في قضاء حوائجه وغفران ذنوبه، ويقول: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما) .

    الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه واله

    وأما ثالثاً سؤال الوجه لإنكارهم دعاء النبي صلى الله عليه وآله نفسه بقول «يا رسول الله أسألك الشفاعة» فإن كان الوجه خلو النص من الشارع عن مثل هذا الدعاء.

    قلنا: يكفيك ما ذكرنا من نصوص الكتاب والسنة في التوسل بالنبي بل بمطلق أهل بيته حتى مثل العباس الذي يكون علي عليه السلام أفضل منه.

    وإن كان الوجه كون الطلب من النبي وندائه ودعائه شركاً لله ـ كما عن جملة من علماء نجد في رسائلهم وصرح بذلك ابن تيمية في الفرقان ـ قلنا: إن الشرك لله بواسطة دعاء النبي صلى الله عليه وآله لا يختص ببعد الحق، بل يعم حال حياته لأن الأمر كله لله، وإن له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ.

    فإن قلت: الشرع جوز دعاء الحق ونداءه. قلنا: الشرع لا يجوز الشرك وعبادة غير الله، فإذا جاز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حال حياته ـ كما هو المسلم عند ابن عبد الوهاب ـ فلا محالة يستلزم ذلك أحد الأمرين:

    إما عدم كون دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم منفكاً عن دعاء الله تعالى، وإما عدم كون دعاء المخلوق عبادة له، لعدم اشتماله على أوصاف العبادة من الخضوع والخشوع والابتهال والوقوف بين يدي المعبود.
    الصفحة 49

    فإن الدعاء لا يتمحض في العبادة إلا لأجل الأمور المزبورة التي لا تجري في الاستشفاع والتوسل والاستغاثة بالنبي والأئمة، فليس لها في قلوب المؤمنين تأثير سوى أنه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن له الآهلية تزول عنهم غائلة المحنة والشدة في الدنيا والآخرة.

    المنع في ان دعاء غير الله عبادة

    وثالثها قول الوهابية: أن الدعاء مخ العبادة، والعبادة لا تجوز لغير الله تعالى لأنها شرك.

    والجواب عنه: المنع عن أن مطلق الدعاء عبادة، فضلا عن أن يكون روح عبادة، وإنما الدعاء من الدعوة ومنها قوله تعالى: (ندع أبناءنا) وقوله تعالى: (ثم أدعهن يأتينك سعياً) وقوله سبحانه: (ولا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) وقوله تعالى: (استجيبوا لله ورسول إذا دعاكم لما يحييكم) .

    فإن المراد من الدعاء فيها النداء، وليس كل نداء دعاء وكل دعاء عبادة، بل ولا دعاء الله لمحض ندائه ومجرد خطابه، وإنما يكون عبادة إذا اشتمل على ما اشتملت عليه العبادة من الخضوع والإقرار بالألهية للمعبود، وأين هذا من دعاء النبي والأئمة والاستغاثة بهم نظراً إلى أنهم مأذونين في الشفاعة ولهم القرب والمنزلة والدعوة المستجابة عند السلطان كالمقربين؟.

    وقد أسمعناك ما في حديث بلال ورواية ابن حنيف ودعاء الضرير من القول: يا محمد إني أتوجه إليك.
    الصفحة 50

    عدم كون النداء دعاء وعبادة

    فإن قلت: دعاء المخلوق عبادة لاشتماله عن الخضوع والمذلة أولا لازمة كون السؤال من الأحياء أيضاً شركا. وثانياً المنع عن اشتمال مطلق سؤال الأنبياء والأولياء على ما اشتملت عليه العبادة إلا عند الغالين فيهم، كمن اتخذ عيسى وموسى إلهين من دون الله. وثالثاً المنع عن كون مطلق الخضوع والذل من لوازم العبادة لو لم يكن بين يدي المعبود، ولذا أمر الله تعالى الولد بخفض الجناح لوالدية على وجه الذل بقوله: واخفض لهما جناح الذل.

    قال الرازي في تفسير قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) أنه تعالى بدأ بذكر الأمر بالتوحيد وثنى بطاعة الله وثلث بالبر بالوالدين، وهذه درجة عظيمة ومرتبة عالية في تعظيم هذه الطاعة. أي طاعة الوالدين.

    المراد من العبادة الطاعة

    ورابعاً: ما عن ابن عبد الوهاب وأتباعه حيث جعلوا إطاعة غير الله عبادة له وشركا لله. قال في كشف الشبهات: متى دعوت الله ليلا أو نهاراً خوفاً أو طمعاً ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو ولياً أشركت في عبادة الله غيره حيث أطعت غيره.

    فإنه يتوجه عليه أولا أنه لو كان المراد من العبادة الامتثال والطاعة لزم شرك العبيد والزوجات حيث يجب عليهم امتثال أزواجهم ومواليهم وأي امتثال في الشرع أعظم من امتثال العبيد؟ حتى أن الله سلب عنهم القدرة
    الصفحة 51
    والاختيار في جنب سيدهم لقوله سبحانه: (عبداً مملوكا لا يقدر على شئ) فهل يتوهم أن الله تعالى حيث أمرهم بهذه الطاعة جعل لنفسه المقدسة شريكا في العبادة. وثانياً أنه لو كان من العبادة الامتثال والطاعة يتوجه على ابن عبد الوهاب سؤال أنه هل يجوز مثل الطاعة لغير الله تعالى أم لا؟ فإن قلت: لا فقد أبطلت قول الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وإن قلت: نعم؛ عبدت المخلوق وخالفت ربك فيما نهاك عنه. وإن قلت: لا تنفعك إطاعة الرسول وإطاعة أولي الأمر عن إطاعة الله. قلنا: ما الوجه في ذلك؟ هل هو يجعل من المخلوق أو يجعل من الخالق؟ فإن قلت بالأول، رجعت إلى عبادة الصالحين، وأن قلت: أنه يجعل من الله تعالى وإذنه ورضاه. قلنا: إن شفاعة الأنبياء وكونهم وسيلة إلى الله تعالى أيضاً يجعل من الله تعالى، فيكون الاستشفاع والتوسل بهم ـ حقيقة ـ عبارة عن الاستعانة بالله في طلب الحاجة منه بشفاعة عبده المقرب عنده.
    الصفحة 52

    المسألة الثالثة

    قالت الوهابية: لا يجوز بناء القبور وتشييدها وجعل الضرايح عليها وأن ذلك شرك وفاعله مشرك.

    وقالت الإمامية: يجوز بناء القبور للأنبياء والأولياء وتشييدها وحفظها عن الاندراس والانطماس، وإن ذلك تعظيم للدين.

    واستدل ابن تيمية ومن تابعه من الوهابية:

    أولا: برواية أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله أن لا أدع قبراً مشرفاً إلاسويته ولا تمثالا إلا طمسته؟… فقرن بين طمس التماثيل وتسوية قبور المشرفة، لأن كليهما ذريعة إلى الشرك.

    البناء على قبور الانبياء والائمة

    وثانياً: بما في كتاب الله من الأمر بعمارة المساجد ولم يذكر المشاهد وقال سبحانه: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) لا عند كل مشهد… إلى أن قال: فالرافضة بدلوا دين دين فعمروا المشاهد وعطلوا المساجد مضاهاة للمشركين ومخالفة للمؤمنين.

    وثالثاً: أن النبي صلى عليه وآله وسلم إنما شرع لأمته عمارة المساجد ولم يشرع لهم أن يبنوا على قبر النبي، ولا رجل صالح من أهل بيته، مسجداً ولا مشهداً ـ انتهى.
    الصفحة 53

    والجواب عنه (أما أولا) فلقد باهت في قوله «إن الشيعة عطلوا المساجد» إلخ، لأن الإمامية يرون من الفرض على أنفسهم عمارة المساجد وإقامة ذكر الله تعالى فيها بأزيد مما يرونه بالنسبة إلى المشاهد. نعم لبعض المشاهد عندهم مزية وزيادة فضيلة من بين المعابد، لاشتمالها على جهتين: جهة المسجدية، وجهة المشعرية، كحرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو حرم الله وحرم رسوله، ومشهد مولانا علي عليه السلام وحرم الحسين عليه السلام لأنها مساجد ومشاعر. ولا أشكال في اختلاف البقاع من حيث الفضيلة.

    ولأجل اشتمال المشاهد المزبورة على زيادة الفضيلة توى الإمامية ـ بل والمسلمين ـ يزدلفون إليها ويزدحمون فيها، وإلا فالمساجد عند الإمامية لا تخلو عن إقامة الصلاة فيها كما هو دأبهم في بلادهم، فيعمرونها ويواظبون عليها، بل يعمرون كل مقام ومشهد فيه من شعائر الإسلام شئ لأنه تشييد للدين، ولكن تلك المقامات من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

    وأما ثانياً: فلان رواية أبي الهياج لا دلالة فيها على أن المراد بالتسوية جعل المدفن مساوياً للأرض من غير تعلية بل اللفظ في هذا الخبر كاللفظ في قوله: (فإذا سويته فيه من روحي) وقوله تعالى: (رفع سمكها فسواها) .

    والمراد من التسوية في الآيتين التعديل في رفع السماء وخلقة البشر، كما قال عز شأنه: (فسواك فعدلك) .

    وأقرب محتملات التسوية وأظهرها في الرواية هو تسطيح القبر، وذلك
    الصفحة 54
    لعدم ذكر المعادل أولا، والتقييد بالشرف ثانيا… وإلا كان التقييد لغواً فتدل الرواية على رجحان التسطيح على التسنيم.

    مناقشة ادلة لحريم البكاء على القبور

    والعجب من ابن تيمية أنه كيف استدل برواية أبي الهياج على منع البناء على القبر وأنه من صنع أهل الشرك، والحال أنه عند قول العلامة من أن المشروع تسطيح القبور وإنما تركته أهل السنة وذهبوا إلى التسنيم لما صار شعاراً للشيعة قال: إن مذهب أبي حنيفة وأحمد أن تسنيم القبور أفضل ـ كما ثبت في الصحيح أن قبر النبي كان مسنما، والشافعي يستحب التسطيح لما روى من الأمر بتسوية القبور. ورأى أن التسوية هي التسطيح. قال بعض الأصحاب: إن هذا شعاراً للرافضة فيكره ذلك، وخالفهم جميع الأصحاب وقالوا بل هو المستحب وإن فعلته الرافضة ـ انتهى.

    فإنك ترى أنه كيف اقر ثانياً بما أنكره أولا، فذهب إلى ما هو المجمع عليه بين الأصحاب، وعليه صحيح الخبر ـ كما في البخاري ـ من رجحان جعل الأثر للقبر وتعليته عن الأرض مسطحاً، وحمل هو أخيراً خبر أبي الهياج ـ تبعاً للشافعي ـ على التسطيح، مع أنه حمله أولا على الطمس، إذلا أقل من الاحتمالين في اللفظ بين الطمس والتسطيح مع علو القبر ـ كما ذهب إلى الاحتمالين شارح النسائي من غير ترجيح.

    لكن يؤيد الاحتمال الثانيـ بعد ما صح الخبر عن أنه كان قبر رسول الله مرتفعاً عن الأرض لا مساوياً ـ ما عن الشافعي وغيره: من أن رسول الله سطح قبر ابنه إبراهيم، وما في كتب الحديث: من أنه جعل قبر أبي بكر
    الصفحة 55
    مثل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسطحاً ورش عليه الماء، وأقامت عليه عائشة النوح.

    المراد من التسوية للقبور

    فعلى ذلك لامحيص لابن تيمية عن أحد الأمور: إما الحكم بشرك جميع الأصحاب الذين قالوا بمقالة الإمامية من رجحان تعلية النبي وتسطيحه، أو رفع اليد عن خبر أبي الهياج رأساً، لأنه منفرد بهذا الحديث في كتب الأحاديث كما عن شارح النسائي ناسباً له إلى السيوطي، وإما حمله على أحد الأمرين:

    (الأول) أن المراد من التسوية التعديل بهدم سنام القبر إن كان مسنما أو هدم شرفه إن كان ذا شرف، كما وقع التصريح بالشرف في الرواية.

    (الثاني) حمله على استحباب، أو وجوب تخريب قبور المشركين ونبشها كما عقد لذلك بابا في صحيح البخاري وسنن النسائي وابن ماجه «وذكروا فيه أن النبي صلى الله عليه وآله لما قدم المدينة وأمر ببناء المسجد فأمر بقبور المشركين فنبشث ثم بالخراب فسويت ـ الحديث.

    وفي اقتران لفظ التسوية بطمس التماثيل دلالة على أن الأمر المبعوث إليه تسوية قبور المشركين، فإن الصور والتماثيل وجعلها في مقابرهم أو معابدهم من سنن المشركين، كما يشهد له مافي البخاري عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة. أوردها البخاري ايضاً في باب نبش قبور مشركي الجاهلية.
    الصفحة 56

    هذا، فلم يبق في البين مايصح الاعتماد عليه من السنة إلا ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما: من نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تجصيص القبور والبناء عليها وأن يكتب على القبر.

    والجواب عن الرواية: (أولا) أن النهي أعم من الحرمة والكراهة سيما الواقع منه في الأحاديث، (وثانياً) أنها غير معمول بها في شئ من فقراتها الثلاث.

    قال محمد بن عبد الهادي الحنفي المعروف بالسندي: أنه قال الحاكم بعد تخريج هذا الحديث في المستدرك: الإسناد صحيح وليس العمل عليه، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب يكيبون على قبورهم، وهو شئ أخذه الخلف عن السلف ـ انتهى.

    أقول: ومثل الكتابة على القبر البناء عليه، فإن إجماع الأمة فضلا عن الأئمة على البناء على قبور أئمتهم وحفظ مراقدهم عن الإندراس والانطماس حيث يكون الحفظ عندهم شعاراً للدين، فلا يعارض الخبر الواحد الظني هذا الإجماع القطعي بين المسلمين.

    اقرار النبي على البناء

    كل ذلك مضافاً إلى فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعل من النبيين، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أقر على بناء الحجر ولم يأمر بهدمه، مع أنه مدفن إسماعيل وأمه هاجر، وكذلك إقراره صلّى الله عليه وآله وسلم وإقرار خلفائه الراشدين على بناء قبر أبراهيم الخليل وعلى بناء قبور الأنبياء التي هي حول بيت المقدس.
    الصفحة 57

    مثل هذه الأبنية على قبور الأنبياء والمرسلين في صحة الاعتماد عليها لجواز البناء على قبور المؤمنين الحجرة الطاهرة النبوية، حيث أن دفنه في البناء ودفن الصحابة من بعده فيه.

    ثم إقرار الصحابة على ذلك وعمارة الحجرة المباركة دليل قاطع على جواز البناء على القبر.

    فإن قلت: المحرم بناء القبة على القبر دون الدفن في البناء تحت القبة.

    قلت: أولا حرمة البناء على القبر ونهى النبي صلى الله آله وسلم عنه نظير حرمة استظلال المحرم حال السير ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه، فكما أن التحريم في المحرم يعم الاستظلال السابق على الإحرام فيجب عليه تركه لو كان متلبساً به، كذلك التحريم في البناء قبر فيعم البناء السابق واللاحق.

    وثانياً: أنه لو كان البناء على القبر بمنزلة الأحجار والأصنام في الجاهلية ـ كما قال به ابن عبد الوهاب وابن تيمية ـ كانت الجهة واحدة بين البناء السابق على الدفن واللاحق له، فدفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر في الحجرة الطاهرة أقوى حجة على جواز البناء السابق واللاحق. بل ربما يكشف ذلك عن الرجحان للتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيجوز البناء على قبور أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، فإن الجهة واحدة والملاك واحد والإجماع منعقد على عدم الفرق.

    فإن لابن تيمية، المصرح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشرع لأمته بناء القبور ـ المصير إلى الفرق بين قبره صلى الله عليه وأله وسلم وقبور سائر المؤمنين بعدما أثبتنا جوازه عليه وأن النبي شرع البناء على قبره، حسبما أوصى بدفنه في حجرته، لأن المناط واحد والعلة مشتركة.
    الصفحة 58

    تعظيم شعائر الله

    وأما ثالثاً: فبأن القرآن وإن لم يصح خصوصاً بالبناء على قبور الأنبياء لكنه مصرح به عموماً في قول سبحانه: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) وقوله تعالى: (ومن يعظم حرمات الله فهو خير له) وقوله تعالى: (ولا تحلوا شعائر الله) لأن المشاهد المتضمنة لأجساد النبيين وأئمة المسلمين من معالم الدين الواجب حفظها وصونها عن الإندراس، فان الحفظ عن الخراب بناءاً وتجديداً من أنحاء التعظيم كما أن حفظ المسجد عن الخراب تعظيم له.

    ثم أقول: إن الله تعالى جعل الصفا والمروة من الشعائر والحرمات التي يجب احترامها، فكيف بالبقاع المتضمنة لأجساد الأنبياء والأولياء. فإنها أولى بأن تكون شعاراً للدين. كيف لا؟ وهي من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإن المراد من البيت في الآية هو بيت الطاعة وكل محل أعد للعبادة، فيعم المساجد والمشاهد لكونها من المعابد.

    ولو لم يكن في الشريعة ما يدل على تعمير المساجد وتعظيمها واحترامها لأغنتنا الآية بعمومها عن الدلالة على وجوب تعمير المسجد وتعظيمه وإدامة ذكر الله فيه، لكونه من البيوت التي أذن الله أن ترفع.

    ومثل المسجد في جهة التعمير والتعظيم والحفظ المشاهد التي هي من مشاعر الإسلام ومعالم الدين، ولذا تجد إصرار المسلمين على إبقاء مدفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومدافن أهل بيته الطاهرين ومدافن أصحابه، فمصيرهم إلى حفظ تلك المراقد عن الإندراس في طول هذه المدة لكونه تشييداً للدين وتقوية لشوكة المؤمنين، لا أنه مضاهاة للمشركين ـ كما قال به زعماء الوهابيين.
    الصفحة 59

    وقال ابن عبد الوهاب: إن البناء على القبر بمنزلة الأخشاب والأحجار التي كانت تعبد في الجاهلية، وليته درى حاصل كلامه من أشكال بناء الحجر على قبر إسماعيل وأمه هاجر، وعدم أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهدم البناء وبناء الحجرة النبوية، وهل يمكن لأحد ان يقول: أن الصحابة الذين دفنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجرته الطاهرة وأمروا بسد أبواب الحجرة على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر الشيخين أرادوا بذلك جعل البناء والحيطان صنما يعبد من دون الله تعالى.

    رد فعل عمر واجتهاده

    قال ابن تيمية في منهاج السنة: وكان عمر بن الخطاب إذا رأى المسلمين يتناوبون مكاناً يصلون فيه لكونه موضع نبي ينهاهم عن ذلك، ويقول: إنما هلك من كان قبلكم باتخاذ آثار أنبيائهم مساجد.

    أقول: إن النهي لعله اجتهاد منه، وإلا لم يقل أحد بأن الصلاة في موضع صلى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون حراماً باطلا، ولو سلم كونها منهياً عنها لكن النهي أعم من الحرمة، لما في البخاري من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلاها.

    مضافا إلى أن المسلمين ـ خصوصاً الإمامية ـ ينكرون هذه النسبة إلى عمر إذ لو كان عمر ينهى عن ذلك فكيف أبقى آثار، الأنبياء، وأبقى أثر قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر أبي بكر، أم كيف أوصى بدفنه في الحجرة الطاهرة وجعل
    الصفحة 60
    قبر أبي بكر قبلة لقبره، كما جعل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبلة لقبر أبي بكر فلو كان بناء المدفن بمنزلة الأصنام في الجاهلية لما أهتم عمر وقبله أبو بكر وبعدهما سائر الصحابة بيقاء الحجرة النبوية والدفن عن النبي صلى الله عليه وآله.. وجمع ذلك يكشف عن أن ما أفتى به ابن عبد الوهاب في هذه المسألة تهجس بالغيب وقول بلا علم، أعاذنا الله من ذلك.
    الصفحة 61

    المسألة الرابعة

    في تزيين الشاهد بالذهب والفضة والحلي والحلل، وايقاد السراج فيها وتظيلها، فالوهابي حرم كل ذلك واحتج عليه: تارة باللغو والعبث وأنها مما لا ينتفع به الميت، وأخرى بما عن الشافعي من أن عمر رأى قبة على قبر ميت فنحاها وقال: دعوة يظله عمله، وثالثة بحديث ابن عباس: «لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج».

    حجة الإمامية القائلين بالجواز:

    (أولا) أصالة الإباحة الدال عليها قوله تعالى: (وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) ، وقد أسمعناكها مفصلا في المقدمة الأولى.

    (وثانياً) مقايسة زينة المشاهد ومعلقانها وحليها وحللها بزينة الكعبة وحللها وكسوتها، فإن الجهة واحدة والإسراف واللغوية وعدم الاستفادة بها علة مشتركة. والحال أن سيرة الخلفاء الراشدين على تعظيم الكعبة بذلك، بل وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً ـ كما تشهد لها التواريخ بل وكتب الحديث.

    قال ابن خلدون في مقدمته: وقد كانت الأمم منذ عهد الجاهلية تعظم البيت وتبعث إليه الملوك بالأموال والذخائر كسرى وغيره. وقصة الأسياف وغزالي الذهب اللذين وجدهما عبد المطلب حين احتفر زمزم معروقة، وقد وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح مكة في الجب الذي كان فيها سبعون ألف أوقية من الذهب مما كان الملوك يهدون للبيت فيها ألف ألف دينار مكررة
    الصفحة 62
    مرتين بمائتى قنطار وزنا وقال له علي بن أبي طالب: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو استغت بهذا المال على حربك فلم يفعل، ثم ذكر لأبي بكر فلم يحركه.. إلى أن قال أبو وائل: جلست إلى شيبة قال: جلس إلى عمر بن الخطاب فقال: همت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين. قلت: ما أنت بفاعل. قال: لم يفعله صاحبك فقال: هما اللذان يقتدى بهما.

    قال ابن خلدون: وأقام ذلك المال إلى أن كانت فتنة الأفطس، فإنه أخرج الأموال وقسمها على عساكره.

    وأقول: ومن بعد الأفطس كان الأمر على ما كان عليه زمن الخلفاء، فتهدى للبيت ولحرم رسول الله الأموال والذخائر إلى أن قامت فتنة الوهابية في المدينة ومكة المشرفة، فأباحوا ما في الحرمين الشريفين إعراضاً منهم عن سيرة النبي صلى عليه وآله وسلم وسير أصحابه التابعين له بإحسان.

    وفي البخاري في باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى: (واجعلنا للمقتين إماما) قال: أئمة نقتدي بمن قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا.

    كراهية التظليل

    (وثالثاً) إن ما نقل عن عمر غايته كراهية التظليل دون الحرمة، كيف وقبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر تحت السقف بمرأي ومتظر من المسلمين والصحابة والتابعين إلى يومنا هذا.

    مضافاً، إلى ما في البخاري والعقد الفريد من أنه لما مات الحسن بن علي ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثم رفعت… ومعلوم أن القبة تظل القبر
    الصفحة 63
    ولأجل ذلك يصح المصير إلى أن الكراهة ربما ترتفع ببعض المصالح العامة، مثل حفظ الزائر والقارئ للقرآن عند القبر عن الحر والبرد، وهي مصلحة راجحة إلى المسلمين وإن لم ينتفع بها الميت.

    (ورابعاً) أن رواية ابن عباس ـ لو صحت ـ لخالفتها السنة وعمل المسلمين فإن الإسراج عند قبر النبي صلى صلى الله عليه وآله وسلم عليه المسلمون من زمن الخلفاء إلى يومنا هذا.

    (وخامسهاً) أن كون الإسراج لغواً وعبثاً يدفعة انتفاع المؤمنين بالضياء من الزائرين، سيما القادمين من مكان بعيد، البائتين في نواحي القبر، وكذلك ينتفع به القارئ للقرآن في تلك المشاهد، فلا يكون أسرافاً كما توهم.
    الصفحة 64

    المسألة الخامسة

    في زيادة قبور الأئمة عليهم السلام

    قالت الوهابية: لا يجوز زيارة قبور الأئمة ولا شد الرحال من الأماكن البعيدة لأجل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنها من الشرك وعبادة لغير الله تعالى.

    قال ابن تيمية في: 1/131 من كتاب منهاج السنة: قد علم من ضرورة دين الإسلام أن النبي لم يأمر بما ذكروه ـ يعني الإمامية ـ من أمر المشاهد، ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين بل هذا من دين المشركين الذين قال الله تعالى فيهم: (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) .

    قال ابن عباس: هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، لما ماتوا عكفوا على قبورهم، فطال عليهم الأمد، فصوروا تماثيلهم ثم عبدوهم.. إلى آخر كلامه.

    وقال أيضاً في جملة كلام له على الإمامية: إنهم يعظمون المشاهد المبنية على القبور، فيعكفون عليها مشابهة للمشركين، ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق، ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة، بل يسبون من لا يستغني بالحج الذي فرضه الله تعالى على عباده، وهذا من جنس دين النصارى والمشركين الذين يفضلون عبادة الأوثان على عبادة الرحمن. وقد صنف شيخهم المفيد كتاباً سماه مناسك المشاهد، جعل
    الصفحة 65
    قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قياماً للناس ـ انتهى.

    واجتج من قال بتحريم شد الرحال إلى زيارة قبر النبي ـ كابن الألوسي ـ بما في البخاري من حديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» ـ انتهى.

    واحتج ابن عبد الوهاب في جملة كلماته في كشف الشبهات على تحريم مطلق ما عليه الإمامية من تعظيم قبور الأنبياء والأولياء وإكرامها والالتزام بها وبآدابها ـ من الزيارة والدعاء والتوسل وطلب الشفاعة: بأن هذه من جعل الإلهة. قال: ومن الدليل على ذلك أيضاً ما حكى الله تعالى عن بني إسرائيل إسلامهم وعلمه بصلاحهم أنهم: (قالوا لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة) وقول أناس من الصحابة: اجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط، فحلف أن هذا مثل قول بني إسرائيل أن اجعل لنا إلها ـ انتهى.

    أقول: الكلام في هذه المسألة يتم في ضمن مباحث:

    المبحث الأول
    تجويز الامامية زيارة القبور

    إن الإمامية على جواز زيارة قبور المؤمنين، وأنها مستحبة شرعا، فضلا عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لتواتر الأحاديث الصحيحة الصريحة في استحبابها مضافاً إلى عمل المسلمين قاطبة من زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى زماننا هذا، فضلا عن عمل النبي في زيارته شهداء أحد وحضوره صلى الله عليه وآله وسلم لزيارة البقيع:
    الصفحة 66

    وفي سنن النسائي وابن ماجه وإحياء العلوم للغزالي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة».

    وفيها عن ابن أبي مليكة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في زيارة القبور.

    وفيها أيضاً عن أبي هريرة قال: زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة.

    وفيها أيضاً عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: نهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر، فإنها تذكركم الآخرة ولا تقولوا هجراً.

    وفي الإحياء عن ابن أبي مليكة قال: أقبلت عائشة يوماً من المقابر فقلت: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن. فقلت: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عنها؟ قالت: نعم ثم أمر بها.

    وفي الصحاح والسنن الأحاديث الواردة عن صلى الله عليه وآله وسلم وكيفية زيارة الأموات، وأن الزائر متى خرج إلى البقيع يقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين.

    هذه في فضل زيارة الصلحاء، ويكفيك من الأحاديث المعتبرة في فضل زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما رواه البيهقي والغزالي وغيرهم من أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من زارني وجبت له شفاعتي» وهذه شفاعة اختصر بها الزائر غير شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم العامة للمؤمنين.

    وقال صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة.

    وعن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من حج ولم يزرني فقد جفاني».

    وعن أبي هريرة مرفوعاً عن النبي قال: من زارني بعد موتي فكأنما زارني حياً.

    وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله سلم قال «من جح وقصدني في مسجدني كانت له حجتان مبرورتان»… إلى غير ذلك من الأحاديث المتكاثرة البالغة حد التواتر.

    قال عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في رسالته: والذي نعتقده أن رتبة نبينا على مراتب المخلوقين، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم، وأنه يسمح سلام المسلم عليه، وتسن زيارته إلا أنه يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه.

    جواز زيارة النبي حيا وميتاً

    أقول: (أولا) أنه جازت زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكونه حياً في قبره جزت زيارة أهل بيته وأصحابه لهذه الجهة، فلا وجه لتخصيصه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالزيارة دون غيره من الأنبياء والصلحاء، كما أنه لا وجه لتخصيص النبي بالزيارة من بين التوسل والاشتشفاع والاستغاثة، فانه إذا اثبت حياته المستقرة وأنه صلى الله عليه وآله وسلم يسمع نداء من يناديه تابعتها آثارها كما لا مخفى.
    الصفحة 68

    و(ثانياً) أنه لا وجه لمنع الشيخ شد الرحال إلى زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير رواية البخاري، وهي مردودة من وجوه:

    أولها: إعراض المسلمين عنها لو كانت لها دلالة، لاستمرار سيرتهم على شد الرحال من الأماكن البعيدة إلى زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، كما كان يشد إليه الرحال على حياته، فلقياس أحد الحالتين على الأخرى مدرك واضح، سيما بالنظر إلى قوله: «من زراني بعد موتي فكأنما زراني حياً».

    وثانيها: مخالفتها للنصوص المذكورة الصحيحة المعتضدة بعمل الأصحاب الصريحة في جواز شد الرحال إلى زيارة قبر النبي وقبور أصحابه وأهل بيته من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من حج ولم يزرني فقد جفاني» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من حج وقصدني في مسجدي كانت له جتان) ولم يقل صلّى الله عليه وآله وقصد مسجدي كما قاله الشيخ.

    وثالثها: إن المستثنى منه الحديث؛ إما خصوص المساجد أو عموم الأسفار. فعلى الأول: المعنى لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد إلا إلى ثلاثة مساجد.

    كما صرح بالمستثنى منه الشيخ سليمان النجدي في الهدية السنية فائلا: وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تشد الرحال إلى مسجد إلا لثلاثة مساجد: المساجد الحرام والمسجد الأقصى، ومسدي هذا».
    الصفحة 69

    وعليه لا يعم الحديث المشهد، كما لا يعم سائر الأسفار، ولم يقل بعمومه لها أحد وهذا نظير مالو قال الموالي لعبده«لا تمض إلا إلى ثلاثة أطباء فلان وفلان وفلان» وسماهم بأسمائهم، فإنه لا يفهم منه في أي محاورة وأي لسان حرمة المضى إلى غير الاطباء العلماء والزهاد.

    (وعلى الثاني) يلزم النهي عن مطلق شد الرحال إلى الأسفار المباحة، ولم يقل به أحد مع أنه يلزم تخصيص الأكثر الذي لا يصح حمل الكلام عليه.

    المبحث الثاني
    تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة ليس بشرك

    في نقل البحث مع ابن عبد الوهاب وأتباعه من الوهابية فنقول:

    إن قولهم: «تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور الأئمة بزيارتها والارتحال إليها شوقاً وحباً شرك، وجعل للإله نظير الطلب من موسى مع إيمانهم بالله أن يجعل لهم إلهاً»، الجواب عنه:

    أولا: المنع عن أنهم طلبوا من موسى إلهاً شفيعاً يتقربون به إلى الله وإنما طلبوا منه إلهاً مدبراً، ولذا لما أضلهم السامري وأخرج لهم عجلا جسداً له خوار وقال هذا إلهكم وإله موسى فنسى، كفروا واعتقدوا أن العجل هو خالقهم ومدبرهم حيث أن له خواراً.

    ويفصح عن ذلك قوله: «هذا إلهكم وإله موسى» ما كان لموسى إلهاً شفيعاً غير إلهه الخالق المدبر.

    وقال المفسرون: المعنى قال السامري إن هذا إلهكم وإله موسى، وأن

    en réponse à : ابن تيمية #222041
    hayefmajid
    Membre

    افتراء ابن تيميّة على أمير المؤمنين (عليه السلام)

    وأمّا الاشياء التي نسبها إلى أمير المؤمنين، والاكاذيب التي هي في الحقيقة كذب عليه، في كلماته كثيرة، منها: إنّ عليّاً كان يقول مراراً: إنّ أبابكر وعمر أفضل منّي، وكان يفضّلهما على نفسه.

    يقول:

    حتى قال: لا يبلغني عن أحد أنّه فضّلني على أبي بكر وعمر إلاّ جلدته جلد المفتري(1) .
    هذا الشيء الذي نقله لم يذكر له مصدراً عن أمير المؤمنين، وأمير المؤمنين لم نسمع أنّه جلد أحداً من الصحابة لانّه فضّله على الشيخين، مع أنّ كثيرين من الصحابة كانوا في نفس الوقت وفي حياة أمير المؤمنين يفضّلون عليّاً على الشيخين بمسمع منه ومرأى.

    ____________

    (1) منهاج السنة 7 / 511.

    الصفحة 70
    إنّ ابن حزم في الفصل(1) ، وكذا ابن عبد البر في الاستيعاب(2) بترجمة أمير المؤمنين، هذان الحافظان الكبيران يذكران أسماء عدّة كبيرة من الصحابة كانوا يقولون بأفضليّة علي من الشيخين، ولم نسمع أنّ عليّاً جلد واحداً منهم.

    وأمّا هذا الخبر، فقد كفانا الدكتور محمّد رشاد سالم ـ الذي حقّق منهاج السنّة في طبعته الجديدة ـ مؤنة تحقيقه حيث قال: بأنّه ضعيف(3) .

    وكذب على علي وفاطمة الزهراء فزعم أنه روي:

    كما في الصحيح عن علي (رضي الله عنه)، قال: طرقني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفاطمة، فقال: «ألا تقومان تصليان ؟» فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا، قال: فولّى، وهو يقول:(وَكَانَ الاِْنسَانُ أَكثَرَ شَيء جَدَلاً)(4) .
    وكذب على أمير المؤمنين في قضيّة شرب الخمر(5) .

    ____________

    (1) الفصل في الملل والنحل 4 / 181.

    (2) الاستيعاب في معرفة الاصحاب 3 / 1090.

    (3) منهاج السنة 7 / 511، الهامش.

    (4) منهاج السنة 3 / 85، الاية سورة الكهف: 54.

    (5) منهاج السنة 7 / 237

    en réponse à : ابن تيمية #222040
    hayefmajid
    Membre

    تكذيب ابن تيمية فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)

    وأمّا في فضائله ومناقبه في القرآن الكريم، قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ)(1) إلى آخر الاية، يقول:

    وقد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الاية نزلت في علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل، وكذبه بيّن من وجوه كثيرة(2) .
    وهذا الحديث الذي يكذّبه ابن تيميّة، قد رواه عن ابن عباس:

    1 ـ عبدالرزاق.

    2 ـ عبد بن حميد.

    ____________

    (1) المائدة: 55.

    (2) منهاج السنّة 2 / 30.

    الصفحة 23
    3 ـ ابن جرير الطبري.

    4 ـ أبو الشيخ.

    5 ـ ابن مردويه.

    ورواه عن سلمة بن كهيل:

    1 ـ ابن أبي حاتم.

    2 ـ أبو الشيخ.

    3 ـ ابن عساكر.

    ومن رواة هذا الخبر:

    1 ـ الطبراني.

    2 ـ الثعلبي.

    3 ـ الواحدي.

    4 ـ الخطيب البغدادي.

    5 ـ ابن الجوزي.

    6 ـ المحب الطبري.

    7 ـ الهيثمي.

    8 ـ المتقي الهندي.

    وأيضاً: تجدون هذاالخبر في تفاسير: الفخر الرازي، والبغوي، والنسفي، والقرطبي، والبيضاوي، وأبي السعود

    الصفحة 24
    العمادي، والشوكاني.

    ويقول الالوسي الحنفي بتفسير الاية: غالب الاخباريين على أنّ هذه الاية نزلت في علي كرّم الله وجهه.

    وأضاف الالوسي: إنّ حسّاناً أنشد في ذلك أبياتاً، فذكر الالوسي تلك الابيات(1) .

    قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً)(2) ، يقول حول نزولها في علي (عليه السلام):

    إن هذا كذب ليس بثابت(3) .
    مع أنّ من رواة نزول هذه الاية في علي:

    1 ـ عبدالرزاق بن همّام الصنعاني.

    2 ـ عبد بن حميد.

    3 ـ ابن جرير.

    4 ـ ابن المنذر.

    5 ـ ابن أبي حاتم.

    6 ـ الطبراني.

    ____________

    (1) روح المعاني في تفسير القرآن 6 / 167.

    (2) البقرة 274.

    (3) منهاج السنّة 7 / 228.

    الصفحة 25
    7 ـ ابن عساكر.

    8 ـ الواحدي.

    9 ـ أبو نعيم.

    10 ـ الفخر الرازي.

    11 ـ الزمخشري.

    12 ـ محب الدين الطبري.

    13 ـ ابن الاثير.

    14 ـ السيوطي.

    15 ـ ابن حجر المكي.

    مع ذلك يقول: إنّ هذا كذب ليس بثابت، لكنّ هذه التفاسير الباطلة يقول مثلها كثير من الجهّال.

    قوله تعالى: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد)(1) ، يقول حول نزولها في عليّ (عليه السلام):

    إن هذا كذب موضوع بإتفاق أهل العلم بالحديث(2) .
    مع أنّ من رواة نزول الاية في علي:

    ____________

    (1) الرعد: 7.

    (2) منهاج السنّة 7 / 139.

    الصفحة 26
    1 ـ عبدالله بن أحمد بن حنبل.

    2 ـ الطبري.

    3 ـ الحاكم.

    4 ـ إبن أبي حاتم.

    5 ـ الضياء المقدسي.

    6 ـ الطبراني.

    7 ـ ابن مردوية.

    8 ـ أبو نعيم.

    9 ـ ابن عساكر.

    10 ـ ابن النجّار.

    11 ـ الديلمي.

    12 ـ الهيثمي.

    13 ـ السيوطي.

    14 ـ المتقي الهندي.

    ويقول الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد.

    ويقول الهيثمي في مجمع الزوائد بعد أن يروي هذا الحديث يقول: رجال السند ثقات.

    والضياء المقدسي أخرج هذا الحديث في كتابه المختارة

    الصفحة 27
    الملتزم فيه بالصحة(1) .

    وحول حديث: «علي مع الحق والحق مع علي»، يقول:

    من أعظم الكلام كذباً وجهلاً، فإنّ هذا الحديث لم يروه أحد عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، فكيف يقال: إنّهم جميعاً رووا هذا الحديث ؟ وهل يكون أكذب ممّن يروي عن الصحابة والعلماء أنّهم رووا حديثاً، والحديث لا يعرف عن واحد منهم أصلاً، بل هذا من أظهر الكذب(2) .
    والحال أنّ من رواة هذا الحديث من الصحابة:

    أولاً: أمير المؤمنين (عليه السلام)، أخرج الحديث عنه الترمذي في صحيحه، والحاكم في المستدرك.

    ثانياً: سيّدتنا أُمّ سلمة، أخرج الحديث عنها الطبراني، وأبو بشر الدولابي، والخطيب البغدادي، وابن عساكر.

    ثالثاً: سعد بن أبي وقّاص، أخرج الحديث عنه البزّار، وقد قال الهيثمي بعد أن روى الحديث هذا: فيه سعد بن شعيب ولم

    ____________

    (1) الاية في سورة الرعد، فراجع الطبري والدر المنثور وغيرهما بتفسيرها، والمستدرك 3 / 129، ومجمع الزوائد 7 / 41.

    (2) منهاج السنّة 4 / 238.

    الصفحة 28
    أعرفه، وبقيّة رجاله رجال الصحيح.

    رابعاً: أبو سعيد الخدري، رواه عنه الحافظ أبو يعلى، وقد روى عنه الهيثمي هذا الحديث في مجمع الزوائد وقال: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.

    خامساً: عائشة، فإنّها روت هذا الحديث، والحديث موجود في الامامة والسياسة لابن قتيبة.

    سادساً: صحابي آخر روى هذا الحديث، أخرجه الطبراني في الكبير.

    قال المتقي: تكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحقّ ـ يعني علياً ـ هذا في كنز العمّال(1) .

    فهؤلاء الصحابة، وهؤلاء كبار العلماء والمحدّثين، الذين يروون هذا الحديث بأسانيدهم عن أُولئك الصحابة.

    وفي حديث المؤاخاة يقول:

    أمّا حديث المؤاخاة فباطل موضوع… إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يؤاخ عليّاً ولا غيره، وحديث المؤاخاة لعلي، وحديث مؤاخاة أبي بكر لعمر، من الاكاذيب…

    ____________

    (1) كنز العمال 11/621، الترمذي، المستدرك3 / 125، مجمع الزوائد 9 / 134، ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق 3 / 118.

    الصفحة 29
    إنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) لم يؤاخ عليّاً ولا غيره، بل كلّ ما روي في هذا فهو كذب…

    إنّ أحاديث المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم من بعض والانصار بعضهم من بعض كلّها كذب، والنبي (صلى الله عليه وسلم)لم يؤاخ عليّاً…

    إنّ أحاديث المؤاخاة لعلي كلّها موضوعة.
    وهذه نصوص في أجزاء متعددة في كتابه، لاحظوا من الجزء الرابع إلى الجزء السابع في الطبعة الجديدة ذات الاجزاء التسعة، يكذّب هذا الحديث في مواضع عديدة(1) .

    والحال أنّك تجد حديث المؤاخاة في: الترمذي (5/595)، الطبقات لابن سعد (2/60)، المستدرك (3/16)، مصابيح السنّة (4/173)، الاستيعاب (3/1089)، البداية والنهاية (7/371)، الرياض النضرة (3/111)، مشكاة المصابيح (3/356)، الصواعق المحرقة (122)، تاريخ الخلفاء (159).

    هذه بعض المصادر.

    والرواة من الصحابة لهذا الخبر هم:

    1 ـ علي (عليه السلام).

    ____________

    (1) منهاج السنّة 4 / 32، 5 / 71، 7 / 117، 279.

    الصفحة 30
    2 ـ عبدالله بن عباس.

    3 ـ أبو ذر.

    4 ـ جابر.

    5 ـ عمر بن الخطاب.

    6 ـ أنس بن مالك.

    7 ـ عبدالله بن عمر.

    8 ـ زيد بن أرقم.

    وغيرهم.

    وتجدون هذا الحديث أيضاً في: مناقب أحمد (ح141)، وفي ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق (برقم 148)، وفي كنز العمال (13/106).

    وأيضاً تجدون هذا الخبر في كتب السير والتواريخ، راجعوا: سيرة ابن هشام (2/109)، السيرة النبويّة لابن حبّان (149)، عيون الاثر لابن سيد الناس (1/264)، الحلبيّة (2/23)، وفي هامشها سيرة زيني دحلان (1/322).

    والعجيب أنّ غير واحد من أعلام القوم يردّون على ابن تيميّة في هذه المسألة بالخصوص:

    يقول الحافظ ابن حجر ـ بعد ذكر الخبر عن الواقدي وابن سعد

    الصفحة 31
    وابن إسحاق وابن عبد البر والسهيلي وابن كثير وغيرهم ـ: وأنكر ابن تيميّة في كتاب الرد على ابن المطهّر الرافضي ـ أي كتاب منهاج السنّة ـ أنكر المؤاخاة بين المهاجرين، وخصوصاً مؤاخاة النبي لعلي، قال: لانّ المؤاخاة شرّعت لارفاق بعضهم بعضاً، ولتأليف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي لاحد منهم، ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري، وهذا ردّ للنصّ بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة.

    يقول الحافظ: وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني، وابن تيميّة يصرّح بأنّ أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك للحاكم النيسابوري(1) .

    وقال الزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنيّة، تحت عنوان ذكر المؤاخاة بين الصحابة: وكانت كما قال ابن عبد البر وغيره مرّتين، الاُولى بمكّة قبل الهجرة بين المهاجرين بعضهم بعضاً على الحقّ والمواساة، فآخى بين أبي بكر وعمر، وهكذا بين كلّ اثنين منهم، إلى أن بقي علي، فقال: آخيت بين أصحابك فمن أخي ؟ قال: «أنا أخوك». وجاءت أحاديث كثيرة في مؤاخاة

    ____________

    (1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 / 217.

    الصفحة 32
    النبي لعلي، وقد روى الترمذي وحسّنه، والحاكم وصحّحه، عن ابن عمر أنّه (صلى الله عليه وسلم) قال لعلي: «أما ترضى أن أكون أخاك ؟» قال: بلى، قال: «أنت أخي في الدنيا والاخرة».

    يقول الزرقاني: وأنكر ابن تيميّة هذه المؤاخاة بين المهاجرين، خصوصاً بين المصطفى وعلي، وزعم أنّ ذلك من الاكاذيب، وردّه الحافظ ـ أي ابن حجر العسقلاني ـ بأنّه ردّ للنصّ بالقياس(1) .

    ويقول ابن تيميّة حول حديث التشبيه، هذا الحديث الذي بحثنا عنه قريباً، يقول:

    هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)بلا ريب عند أهل العلم بالحديث(2) .
    مع أنّ هذا الحديث من رواته:

    1 ـ عبدالرزّاق الصنعاني.

    2 ـ أحمد بن حنبل.

    3 ـ أبو حاتم.

    4 ـ محمد بن إدريس الرازي.

    ____________

    (1) شرح المواهب اللدنيّة 1/273.

    (2) منهاج السنّة 5 / 510.

    الصفحة 33
    5 ـ الحاكم النيسابوري.

    6 ـ أبو بكر البيهقي.

    7 ـ ابن مردويه.

    8 ـ أبو نعيم.

    ومن أصحّ أسانيده وأجودها رواية عبدالرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، عن رسول الله.

    وقد قرأنا هذا النصّ سابقاً.

    يقول ابن تيميّة: حول حديث «وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي»، يقول:

    كذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)(1) .
    والحال أنّ هذا الحديث من رواته من الصحابة:

    1 ـ أمير المؤمنين.

    2 ـ الامام الحسن المجتبى.

    3 ـ أبو ذر الغفاري.

    4 ـ عبدالله بن عباس.

    5 ـ أبو سعيد الخدري.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 7 / 391.

    الصفحة 34
    6 ـ البراء بن عازب.

    7 ـ أبو ليلى الانصاري.

    8 ـ عمران بن الحصين.

    9 ـ بريدة بن الحصيب.

    10 ـ عبدالله بن عمر.

    11 ـ عمرو بن العاص.

    12 ـ وهب بن حمزة.

    ورواه من الائمّة الحفّاظ:

    1 ـ أبو داود الطيالسي.

    2 ـ ابن أبي شيبة.

    3 ـ أحمد بن حنبل.

    4 ـ الترمذي.

    5 ـ النسائي.

    6 ـ أبو يعلى الموصلي.

    7 ـ ابن جرير الطبري.

    8 ـ الطبراني.

    9 ـ الحاكم.

    10 ـ ابن مردويه.

    الصفحة 35
    11 ـ أبو نعيم.

    12 ـ ابن عبدالبر.

    13 ـ ابن الاثير.

    14 ـ الضياء.

    15 ـ ابن حجر.

    16 ـ جلال الدين السيوطي.

    يقول ابن عبدالبر: هذا إسناد لا مطعن فيه لاحد، لصحّته وثقة رجاله.

    وصحّحه ابن أبي شيبة، وصحّحه أيضاً السيوطي، وصحّحه ابن جرير الطبري، وأخرجه أحمد في المسند بسند صحيح(1) .

    وأيضاً أخرجه الترمذي وحسّنه، والنسائي في الخصائص بسند صحيح، وابن حبّان في صحيحه، وأخرجه الحاكم وصحّحه على شرط مسلم.

    وقال الحافظ ابن حجر بترجمة أمير المؤمنين من الاصابة قال: أخرجه الترمذي بإسناد قوي عن عمران بن حصين.

    حديث «اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه»، يقول:

    ____________

    (1) مسند أحمد 4 / 437.

    الصفحة 36
    كذب باتّفاق أهل المعرفة بالحديث(1) .
    مع أنّ هذا الحديث أخرجه:

    1 ـ أحمد بأسانيد صحيحة.

    2 ـ ابن أبي شيبة.

    3 ـ ابن راهويه.

    4 ـ ابن جرير.

    5 ـ سعيد بن منصور.

    6 ـ الطبراني.

    7 ـ أبو نعيم.

    8 ـ الحاكم.

    9 ـ الخطيب.

    10 ـ وأخرجه النسائي بسند صحيح.

    11 ـ البزّار بأسانيد صحيحة.

    12 ـ أبو يعلى بسندين صحيحين.

    13 ـ أخرجه ابن حبّان في صحيحه.

    14 ـ وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رجال إسناده ثقات.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 7 / 55.

    الصفحة 37
    حديث يوم الدار في قضيّة (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ)(1) ، يقول:

    هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث، فما من عالم يعرف الحديث إلاّ وهو يعلم أنّه كذب موضوع(2) .
    وإذا كان كذلك، فحينئذ جميع من روى هذا الحديث من علمائهم يعلم بأنّه كذب موضوع، مع ذلك رواه في كتابه، أو إنّ هؤلاء الرواة ليسوا بعلماء أصلاً !!

    من رواته أحمد في المسند، ومن رواته علماء كثيرون.

    يقول الهيثمي بعد روايته(3) : ورجال أحمد وأحد إسنادي البزّار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة.

    وأخرجه أيضاً:

    1 ـ ابن اسحاق.

    2 ـ الطبري.

    3 ـ الطحاوي.

    ____________

    (1) الشعراء: 214.

    (2) منهاج السنّة 7 / 302.

    (3) مجمع الزوائد 8 / 302.

    الصفحة 38
    4 ـ ابن أبي حاتم.

    5 ـ ابن مردويه.

    6 ـ أبو نعيم الاصفهاني.

    7 ـ الضياء المقدسي.

    8 ـ المتقي الهندي.

    والسيوطي يرويه عن جماعة، والبيهقي يرويه في دلائل النبوة، وأبو نعيم أيضاً في دلائل النبوة، يروون النصّ الكامل لهذا الخبر وينصّون على صحّته في غير واحد من الكتب كما قرأنا.

    وأيضاً ينصّ على صحّته الشهاب الخفاجي في شرح الشفاء للقاضي عياض وغيره من كبار علمائهم.

    حديث: «هذا فاروق أُمّتي»، وكذا ما روي عن غير واحد من الصحابة أنّهم كانوا يقولون: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم عليّاً، يقول:

    أمّا هذان الحديثان فلا يستريب أهل المعرفة بالحديث أنّهما حديثان موضوعان مكذوبان على النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولم يرو واحد منهما في شيء من كتب العلم المعتمدة، ولا لواحد منهما إسناد

    الصفحة 39
    معروف(1) .
    عجيب !! إنّه يقول:

    ونحن نقنع في هذا الباب بأنْ يروى الحديث بإسناد معروفين بالصدق من أيّ طائفة كانوا.
    يعني حتّى من الشيعة يقبل، ثمّ يقول:

    كلّ من الحديثين يعلم بالدليل أنّه كذب، لا تجوز نسبته إلى النبي.
    أمّا حديث: «هذا فاروق أُمّتي»، فمن رواته من الصحابة:

    1 ـ سلمان الفارسي.

    2 ـ ابن عباس.

    3 ـ أبو ذر.

    4 ـ حذيفة.

    5 ـ أبو ليلى.

    من رواته من أئمّة الحديث وحفّاظه:

    1 ـ الطبراني.

    2 ـ البزّار.

    3 ـ البيهقي.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 4 / 286 ـ 290.

    الصفحة 40
    4 ـ أبو نعيم.

    5 ـ ابن عبد البر.

    6 ـ ابن عساكر.

    7 ـ ابن الاثير.

    8 ـ ابن حجر.

    9 ـ المحب الطبري.

    10 ـ المنّاوي.

    11 ـ المتقي الهندي.

    وغيرهم.

    يقول: ليسا في الكتب المعتمدة، والحديث موجود في: مسند البزّار، في معجم الطبراني، في تاريخ دمشق، في الاستيعاب، وأسد الغابة، والاصابة، ومجمع الزوائد، وكنز العمّال، في فيض القدير، والرياض النضرة، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى(1) .

    ومن أسانيده الصحيحة ما أخرجه الطبراني في الكبير، وقد ذكرت بعض أسانيده الصحيحة.

    ____________

    (1) المعجم الكبير 6 / 269، كنز العمال 11 / 616، فيض القدير 4 / 358.

    الصفحة 41
    أمّا قول بعض الصحابة: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم عليّاً، فهذا مروي:

    1 ـ عن أبي ذر.

    2 ـ عن عبدالله بن مسعود.

    3 ـ عن عبدالله بن عباس.

    4 ـ عن جابر بن عبدالله الانصاري.

    5 ـ وعن أبي سعيد الخدري.

    6 ـ وعن أنس بن مالك.

    7 ـ وعن عبدالله بن عمر.

    ومن رواة هذه الاخبار:

    1 ـ أحمد بن حنبل.

    2 ـ الترمذي.

    3 ـ البزّار.

    4 ـ الطبراني.

    5 ـ الحاكم.

    6 ـ الخطيب البغدادي.

    7 ـ أبو نعيم الاصفهاني.

    8 ـ ابن عساكر.

    الصفحة 42
    9 ـ ابن عبدالبر.

    10 ـ ابن الاثير.

    11 ـ النووي.

    12 ـ الهيثمي.

    13 ـ المحب الطبري.

    14 ـ الذهبي.

    15 ـ السيوطي.

    16 ـ ابن حجر المكّي.

    17 ـ المتقي الهندي.

    18 ـ الالوسي، في تفسيره(1) .

    ومن أسانيده الصحيحة أيضاً ما ذكرته هنا، ومن جملتها ما أخرجه أحمد في مسنده: حدّثنا أسود بن عامر، حدّثنا إسرائيل، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري: وكنّا نعرف منافقي الانصار ببغضهم عليّاً.

    في مناقب الصحابة لاحمد بن حنبل رقم 979.

    وقال محققه: إسناده صحيح.

    ____________

    (1) مناقب عليّ من كتاب فضائل الصحابة برقم 979، صحيح الترمذي 5 / 593، المستدرك 3 / 129، الاستيعاب 3 / 1110.

    الصفحة 43
    وهذا الكتاب مطبوع أخيراً في الحجاز، من منشورات جامعة أُمّ القرى في مكّة المكرّمة، والمحقق منهم.

    حديث «مثل أهل بيتي كسفينة نوح»، يقول:

    وأمّا قوله: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح» فهذا لا يعرف له إسناد، لا صحيح ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها، فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطّاب الليل الذين يروون الموضوعات، فهذا ممّا يزيده وهناً(1) .
    والحال أنّ من رواة الحديث من الصحابة:

    1 ـ أمير المؤمنين.

    2 ـ أبو ذر.

    3 ـ عبدالله بن عباس.

    4 ـ أبو سعيد الخدري.

    5 ـ أبو الطفيل.

    6 ـ أنس بن مالك.

    7 ـ عبدالله بن الزبير.

    8 ـ سلمة بن الاكوع.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 7 / 395.

    الصفحة 44
    ومن رواته في الكتب المعتبرة:

    1 ـ أحمد بن حنبل.

    2 ـ البزّار.

    3 ـ أبو يعلى.

    4 ـ ابن جرير الطبري.

    5 ـ النسائي.

    6 ـ الطبراني.

    7 ـ الدارقطني.

    8 ـ الحاكم.

    9 ـ ابن مردويه.

    10 ـ أبو نعيم الاصفهاني.

    11 ـ الخطيب البغدادي.

    12 ـ أبو المظفّر السمعاني.

    13 ـ المجد ابن الاثير.

    14 ـ المحب الطبري.

    15 ـ الذهبي.

    16 ـ ابن حجر العسقلاني.

    17 ـ السخاوي.

    الصفحة 45
    18 ـ السيوطي.

    19 ـ ابن حجر المكّي.

    20 ـ المتقي.

    21 ـ القاري.

    22 ـ المنّاوي.

    وغيرهم.

    فإنْ كان هؤلاء من حطّاب الليل، فأهلاً وسهلاً، ما عندنا أيّ مانع، ما عندنا أي مضايقة من قبول هذه الدعوى، وأهلاً وسهلاً، وهو نعم المطلوب.

    وهذا الحديث أخرجه الحاكم وصحّحه على شرط مسلم، وأخرجه الخطيب في المشكاة، وهو ملتزم في هذا الكتاب تبعاً لمصابيح السنّة بأنْ لا يخرج الموضوعات، وإنّما الصحاح والحسان فقط.

    وله أسانيد صحيحة أيضاً غير هذه(1) .

    ____________

    (1) المعجم الصغير 2 / 22، مشكاة المصابيح 3 / 1742، المستدرك 2 / 343، مجمع الزوائد 9 / 168، تاريخ بغداد 12 / 91، المطالب العالية 4 / 75، فيض القدير 2 / 519، 5 / 517، كنز العمال 13 / 82، 85.

    الصفحة 46
    وحول حديث الطير، يقول:

    إنّ حديث الطير من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة…(1) .
    لكنّ هذا الحديث ـ على ما عثرنا عليه نحن ـ رواه عن رسول الله من الصحابة:

    1 ـ علي (عليه السلام)، وهو عند الحاكم.

    2 ـ عبدالله بن عباس، وهو عند جماعة منهم ابن سعد.

    3 ـ أبو سعيد الخدري، رواه الحاكم أيضاً.

    4 ـ سفينة، حديثه عند الحاكم، وعند أحمد بن حنبل.

    5 ـ أبو الطفيل، حديثه عنه الحاكم.

    6 ـ أنس بن مالك، حديثه عند الترمذي والبزّار والنسائي والحاكم والبيهقي وابن حجر.

    7 ـ سعد بن أبي وقّاص، حديثه عند أبي نعيم الاصفهاني.

    8 ـ عمرو بن العاص، وحديثه موجود في كتاب له إلى معاوية، يرويه الخوارزمي في المناقب.

    9 ـ يعلى بن مرّة، روى هذا الحديث عنه جماعة منهم أبو

    ____________

    (1) منهاج السنّة 7 / 371.

    الصفحة 47
    عبدالله الكنجي.

    10 ـ جابر بن عبدالله الانصاري، حديثه عند ابن عساكر.

    11 ـ أبو رافع، حديثه عند ابن كثير.

    12 ـ حبشي بن جنادة، حديثه عند ابن كثير أيضاً.

    ومن رواة هذا الحديث من الائمّة:

    1 ـ أبو حنيفة، إمام الحنفيّة.

    2 ـ أحمد بن حنبل.

    3 ـ أبوحاتم الرازي.

    4 ـ الترمذي.

    5 ـ البزّار.

    6 ـ النسائي.

    7 ـ أبو يعلى.

    8 ـ محمّد بن جرير الطبري.

    9 ـ الطبراني.

    10 ـ الدارقطني.

    11 ـ ابن بطّة العكبري.

    12 ـ الحاكم.

    13 ـ ابن مردويه.

    الصفحة 48
    14 ـ البيهقي.

    15 ـ ابن عبدالبرّ.

    16 ـ الخطيب.

    17 ـ أبو المظفر السمعاني.

    18 ـ البغوي.

    19 ـ ابن عساكر.

    20 ـ ابن الاثير.

    21 ـ المزّي.

    22 ـ الذهبي.

    23 ـ ابن حجر العسقلاني.

    24 ـ السيوطي.

    وغيرهم.

    وقد أفرد بعضهم لجمع طرق هذا الحديث كتباً خاصّة، منهم:

    1 ـ ابن جرير الطبري.

    2 ـ ابن عقدة.

    3 ـ ابن مردويه.

    4 ـ ابو نعيم.

    5 ـ أبو طاهر بن حمدان.

    الصفحة 49
    6 ـ الذهبي، يقول: لي جزء في جمع طرقه، وهذا تصريح الذهبي نفسه في كتاب تذكرة الحفّاظ وغيره من كتبه.

    وقد نصّ غير واحد من العلماء على صحّة بعض أسانيده، منهم: الحافظ ابن كثير، ينصّ في تاريخه على صحّة بعض أسانيد هذا الحديث، وجودة بعض طرقه، ولا أُريد أن أُطيل عليكم، وإلاّ لذكرت لكم كلّ ذلك(1) .

    ____________

    (1) المعجم الكبير 7 / 82، المستدرك على الصحيحين 3 / 130، البداية والنهاية 7 / 352، مجمع الزوائد 9 / 125.

    الصفحة 50

    بحث ابن تيمية في خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)

    وتصل النوبة إلى بحث ابن تيميّة في خلافة أمير المؤمنين، وهل يرضى ابن تيميّة بخلافة علي باعتبار أنّه خليفة رابع أو لا يرضى ؟ وهل يرتضيه بأن يكون من الخلفاء الراشدين أو لا ؟

    أوّل شيء يكرّره ابن تيميّة في كتابه منهاج السنّة عدم ثبوت خلافة أمير المؤمنين، يقول:

    إضطرب الناس في خلافة علي على أقوال: فقالت طائفة: إنّه إمام وإنّ معاوية إمام…، وقالت طائفة: لم يكن في ذلك الزمان إمام عام، بل كان زمان فتنة…، وقالت طائفة ثالثة: بل علي هو الامام، وهو مصيب في قتاله لمن قاتله، وكذلك من قاتله من الصحابة كطلحة والزبير كلّهم مجتهدون مصيبون…،

    الصفحة 51
    وطائفة رابعة تجعل عليّاً هو الامام، وكان مجتهداً مصيباً في القتال، ومن قاتله كانوا مجتهدين مخطئين…، وطائفة خامسة تقول: إنّ عليّاً مع كونه كان خليفة وهو أقرب إلى الحقّ من معاوية فكان ترك القتال أولى(1) .
    خمس طوائف ولم يذكر قولاً سادساً.

    يقول:

    وأما علي فكثير من السابقين الاولين لم يتّبعوه ولم يبايعوه، وكثير من الصحابة والتابعين قاتلوه(2) .
    ويقول:

    ونحن نعلم أنّ عليّاً لمّا تولّى، كان كثير من الناس يختار ولاية معاوية وولاية غيرهما(3) .

    ومن جوّز خليفتين في وقت يقول: كلاهما خلافة نبوة… وإن قيل: إنّ خلافة علي ثبتت بمبايعة أهل الشوكة، كما ثبتت خلافة من كان قبله بذلك،أو

    ____________

    (1) منهاج السنّة 1 / 537 ـ 539.

    (2) منهاج السنّة 8 / 234.

    (3) منهاج السنّة 4 / 89.

    الصفحة 52
    ردوا على ذلك أنّ طلحة بايعه مكرهاً، والذين بايعوه قاتلوه، فلم تتفق أهل الشوكة على طاعته.

    وأيضاً فإنّما تجب مبايعته كمبايعة من قبله إذا سار سيرة من قبله(1) .
    وإن لم يسر سيرة من قبله فلم يبايعه أحد على ذلك.

    ويقول:

    وأمّا علي فكثير من السابقين الاوّلين لم يتّبعوه ولم يبايعوه، وكثير من الصحابة والتابعين قاتلوه(2) .
    فإذا نسب إلى الشيعة أنّهم يبغضون الصحابة إذن يبغضون كثيراً من الصحابة والتابعين الذين قاتلوا عليّاً.

    أقول: نعم نبغضهم ويبغضهم كلّ مسلم.

    قال في الجواب عن حديث «من ناصب علياً الخلافة فهو كافر»، قال:

    إنّ هذه الاحاديث تقدح في علي، وتوجب أنّه كان مكذّباً لله ورسوله، فيلزم من صحّتها كفر

    ____________

    (1) منهاج السنّة 4 / 465.

    (2) منهاج السنّة 8 / 234.

    الصفحة 53
    الصحابة كلّهم هو وغيره، أمّا الذين ناصبوه الخلافة فإنّهم في هذا الحديث المفترى كفّار، وأمّا علي فإنّه لم يعمل بموجب هذه النصوص.
    قال:

    وأما علي فكثير من السابقين الاولين لم يتّبعوه ولم يبايعوه، وكثير من الصحابة والتابعين قاتلوه(1) .
    لاحظوا نصّ العبارة:

    ونصف الاُمّة أو أقل أو أكثر لم يبايعوه، بل كثير منهم قاتلوه وقاتلهم، وكثير منهم لم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه(2) .
    إذن، نصف الاُمّة كانوا مخالفين لعلي، ونحن نقول: ارتدّت الاُمّة بعد رسول الله باعتراف ابن تيميّة، ارتدّت عن ولاية أمير المؤمنين إنْ كان كلامه حقّاً.

    ثمّ يقول ـ ولاحظوا عباراته، كلمات حتّى سماعها يحزّ في النفس، فكيف قراءتها والنظر فيها والتأمل فيها ـ يقول:

    ____________

    (1) منهاج السنة 8 / 234.

    (2) منهاج السنة 4 / 105.

    الصفحة 54
    لكنّ نصف رعيّته يطعنون في عدله، فالخوارج يكفّرونه، وغير الخوارج من أهل بيته وغير أهل بيته يقولون: إنّه لم ينصفهم، وشيعة عثمان يقولون: إنّه ممّن ظلم عثمان. وبالجملة، لم يظهر لعلي من العدل، مع كثرة الرعية وانتشارها، ما ظهر لعمر، ولا قريب منه(1) .
    لاحظوا العبارات:

    وأمّا تخلّف من تخلّف عن مبايعته، فعذرهم في ذلك أظهر من عذر سعد بن عبادة وغيره لمّا تخلّفوا عن بيعة أبي بكر(2) .
    ثمّ يصعد أكثر من هذا ويقول:

    وروي عن الشافعي وغيرهم أنّهم قالوا: الخلفاء ثلاثة أبوبكر وعمر وعثمان(3) .

    لاحظوا نصّ العبارة:

    والخلفاء الثلاثة فتحوا الامصار، وأظهروا الدين في مشارق الارض ومغاربها، ولم يكن معهم

    ____________

    (1) منهاج السنة 6 / 18.

    (2) منهاج السنة 4 / 388.

    (3) منهاج السنة 4 / 404.

    الصفحة 55
    رافضي، بل بنو أميّة بعدهم، مع انحراف كثير منهم عن علي وسبّ بعضهم له، غلبوا على مدائن الاسلام كلّها من مشارق الارض إلى مغربها، وكان الاسلام في زمنهم
    أعزّ منه فيما بعد ذلك بكثير… وأظهروا الاسلام فيها وأقاموه… ويقال: إنّ فيهم من كان يسكت عن علي، فلا يربّع به في الخلافة، لانّ الاُمّة لم تجتمع عليه… وقد صنّف بعض علماء الغرب كتاباً كبيراً في الفتوح، فذكر فتوح النبي (صلى الله عليه وسلم)، وفتوح الخلفاء بعده أبي بكر وعمر وعثمان، ولم يذكر عليّاً مع حبّه له وموالاته له، لانّه لم يكن في زمنه فتوح(1) .

    وكان بالاندلس كثير من بني أُميّة… يقولون: لم يكن خليفة، وإنّما الخليفة من اجتمع الناس عليه، ولم يجتمعوا على علي. وكان من هؤلاء من يربّع بمعاوية في خطبة الجمعة، فيذكر الثلاثة ويربّع بمعاوية ولا يذكر عليّاً…(2) .

    ____________

    (1) منهاج السنّة 6 / 419 ـ 420.

    (2) منهاج السنّة 4 / 401 ـ 402.

    الصفحة 56
    إلى أنْ يقول:

    فلم يظهر في خلافته دين الاسلام، بل وقعت الفتنة بين أهله، وطمع فيهم عدوّهم من الكفّار والنصارى والمجوس(1) .
    قال:

    وأمّا علي فلم يتفق المسلمون على مبايعته، بل وقعت الفتنة في تلك المدّة، وكان السيف في تلك المدّة مكفوفاً عن الكفّار مسلولاً على أهل)الاسلام(2) .

    وهذا كان حجّة من كان يربّع بذكر معاوية ولا يذكر عليّاً(3) .

    ولم يكن في خلافة علي للمؤمنين الرحمة التي كانت في زمن عمر وعثمان، بل كانوا يقتتلون ويتلاعنون، ولم يكن لهم على الكفّار سيف، بل الكفّار كانوا قد طمعوا فيهم، وأخذوا منهم أموالاً

    ____________

    (1) منهاج السنّة 4 / 117.

    (2) منهاج السنّة 4 / 161.

    (3) منهاج السنّة 4 / 162.

    الصفحة 57
    وبلاداً(1) .

    فإذا لم يوجد من يدّعي الاماميّة فيه أنّه معصوم وحصل له سلطان بمبايعة ذي الشوكة إلاّ علي وحده، وكان مصلحة المكلّفين واللّطف الذي حصل لهم في دينهم ودنياهم في ذلك الزمان أقلّ منه في زمن الخلفاء الثلاثة، وعلم بالضرورة أن ما يدّعونه من اللطف والمصلحة الحاصلة بالائمّة المعصومين باطل قطعاً(2) .
    يقول:

    ومن ظنّ أنّ هؤلاء الاثني عشر هم الذين تعتقد الروافض إمامتهم، فهو في غاية الجهل، فإنّ هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلاّ علي بن أبي طالب، ومع هذا فلم يتمكّن في خلافته من غزو الكفّار، ولا فتح مدينة ولا قتل كافراً، بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض، حتّى طمع فيهم الكفّار بالشرق والشام، من المشركين وأهل الكتاب، حتّى يقال إنّهم أخذوا بعض بلاد المسلمين،

    ____________

    (1) منهاج السنّة 4 / 485.

    (2) منهاج السنّة 3 / 379.

    الصفحة 58
    وإنّ بعض الكفّار كان يحمل إليه كلام حتّى يكفّ عن المسلمين، فأيّ عزّ للاسلام في هذا ـ أي في حكومة علي.

    … وأيضاً فالاسلام عند الاماميّة هو ما هم عليه، وهم أذلّ فرق الاُمّة، فليس في أهل الاهواء أذلّ من الرافضة(1) .
    ثمّ يقول العبارة التي نقلها ابن حجر، وقرأناها في كتاب الدرر الكامنة، يقول:

    فإنّ عليّاً قاتل على الولاية، وقُتل بسبب ذلك خلق كثير، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفّار ولا فتح لبلادهم، ولا كان المسلمون في زيادة خير(2) .

    فما زاد الامر إلاّ شدّة، وجانبه إلاّ ضعفاً، وجانب من حاربه إلاّ قوّة والاُمّة إلاّ افتراقاً(3) .
    ثمّ يقول:

    ولهذا جعل طائفة من الناس خلافة علي من

    ____________

    (1) منهاج السنّة 8 / 241 ـ 242.

    (2) منهاج السنّة 6 / 191.

    (3) منهاج السنّة 7 / 452.

    الصفحة 59
    هذا الباب، وقالوا: لم تثبت بنص ولا إجماع(1) .
    ثمّ يقول:

    لان النص والاجماع المثبتين لخلافة أبي بكر ليس في خلافة عليّ مثلها، فانه ليس في الصحيحين ما يدلّ على خلافته، وإنّما روى ذلك أهل السنن، وقد طعن بعض أهل الحديث في حديث سفينة(2) .
    فعلى هذا لا يبقى حينئذ دليل على امامة علي مطلقاً حتّى في المرتبة الرابعة.

    ويقول:

    وأحمد بن حنبل، مع أنه أعلم أهل زمانه بالحديث، احتج على إمامة علي بالحديث الذي في السنن: «تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة، ثم تصير مُلكاً» وبعض الناس ضعّف هذا الحديث، لكن أحمد وغيره يثبتونه(3) .
    يقول:

    ____________

    (1) منهاج السنّة 8 / 243.

    (2) منهاج السنّة 4 / 388.

    (3) منهاج السنّة 7 / 50.

    الصفحة 60
    وعلي يقاتل ليطاع ويتصرّف في النفوس والاموال، فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين(1) .
    نصّ العبارة بلا زيادة ونقيصة.

    حتّى أنّه يجعل عليّاً مصداقاً لقوله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَْرْضِ وَلاَ فَسَاداً والعَاقِبَةُ للمُتَّقِينَ)(2) .

    ثم يقول:

    فمن أراد العلوّ في الارض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الاخرة(3) .
    وعلي إنّما قاتل لانْ يكون له العلوّ في الارض، إنّه إنّما:

    قاتل ليطاع هو(4) .
    ثمّ يقول:

    والذين قاتلوا من الصحابة لم يأت أحد منهم بحجّة توجب القتال، لا من كتاب ولا من سنّة، بل

    ____________

    (1) منهاج السنّة 8 / 329.

    (2) القصص: 83.

    (3) منهاج السنّة 4 / 500.

    (4) منهاج السنّة 4 / 500.

    الصفحة 61
    أقرّوا بأنّ قتالهم كان رأياً رأوه، كما أخبر بذلك علي (رضي الله عنه) عن نفسه(1) .

    وأمّا قتال الجمل وصفّين، فقد ذكر علي (رضي الله عنه) أنّه لم يكن معه نصّ من النبي (صلى الله عليه وسلم)، وإنّما كان رأياً، وأكثر الصحابة لم يوافقوه على هذا القتال(2) .

    أن القتال كان قتال فتنة بتأويل، لم يكن من الجهاد الواجب ولا المستحب(3) .

    وقتل خلقاً كثيراً من المسلمين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون ويصلّون(4) .
    وقال طاعناً في الامام وهو يقصد الدفاع عن عثمان ـ حيث يقولون من جملة ما نقموا عليه إنّه كان يتصرف في بيت المال هو وبنو أُميّة ـ:

    وأين أخذ المال وارتفاع بعض الرجال، من قتال الرجال الذين قتلوابصفّين ولم يكن في ذلك عزّ ولا ظفر ؟… حرب صفّين التي لم يحصل بها إلاّ زيادة

    ____________

    (1) منهاج السنّة 1 / 526.

    (2) منهاج السنّة 6 / 333.

    (3) منهاج السنّة 7 / 57.

    (4) منهاج السنّة 6 / 356.

    الصفحة 62
    الشر وتضاعفه لم يحصل بها من المصلحة شيء(1) .

    ولهذا كان أئمّة السنّة كمالك وأحمد وغيرهما يقولون: إنّ قتاله للخوارج مأمور به، وأمّا قتال الجمل وصفّين فهو قتال فتنة.

    ولهذا كان علماء الامصار على أن القتال كان قتال فتنة وكان من قعد عنه أفضل ممن قاتل فيه(2) .
    وعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه)ندم على أمور فعلها من القتال وغيره… وكان يقول ليالي صفّين: لله درّ مقام قامه عبدالله بن عمر وسعد بن مالك، إن كان برّاً إنّ أجره لعظيم، وإن كان إثماً إنّ خطره ليسير(3) .
    والحال أنّ عبدالله بن عمر وسعد بن مالك يعني سعد بن أبي وقّاص كلاهما قد ندما على عدم بيعتهما مع علي وتخلَّفهما عن القتال معه في حروبه، والنصوص بذلك موجودة في المصادر.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 8 / 143.

    (2) منهاج السنّة 8 / 233.

    (3) منهاج السنّة 6 / 209.

    الصفحة 63
    يضيف إنّ عليّاً كان يقول لابنه الحسن (عليه السلام) في ليالي صفّين:

    يا حسن يا حسن ما ظنّ أبوك أنّ الامر يبلغ إلى هذا، ودّ أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة(1) .
    الاحاديث الصحيحة المتقنة في الكتب المعتبرة يكذّبها ويطالب فيها بسند صحيح، ثمّ يذكر مثل هذا ولا يذكر له أيّ سند، وأيّ مصدر، وغير معلوم من قال هذا ؟ ويرسله إرسال المسلّمات، يا حسن يا حسن ما ظنّ أبوك أنّ الامر يبلغ إلى هذا، ودّ أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة !!

    يقول:

    ولمّا رجع من صفّين تغيّر كلامه… وتواترت الاثار بكراهته الاحوال في آخر الامر(2) .

    وكان علي أحياناً يظهر فيه الندم والكراهة للقتال، ممّا يبيّن أنّه لم يكن عنده فيه شيء من الادلّة الشرعيّة(3) .

    ____________

    (1) منهاج السنّة 6 / 209.

    (2) منهاج السنّة 6 / 209.

    (3) منهاج السنّة 8 / 526.

    الصفحة 64
    وممّا يبيّن أنّ عليّاً لم يكن يعلم المستقبل، إنّه ندم على أشياء ممّا فعلها… وكان يقول ليالي صفّين: يا حسن يا حسن، ما ظنّ أبوك أنّ الامر يبلغ هذا، لله درّ مقام قامه سعد بن مالك وعبدالله بن عمر…(1) .
    هذا كرّره مرّة أخرى، وقال بعد ذلك:

    هذا رواه المصنّفون(2) .
    ومن المصنّفون ؟ غير معلوم.

    يقول:

    وتواتر عنه أنّه كان يتضجّر ويتململ من اختلاف رعيّته عليه، وأنّه ما كان يظنّ أنّ الامر يبلغ ما بلغ، وكان الحسن رأيه ترك القتال، وقد جاء النصّ الصحيح بتصويب الحسن… وسائر الاحاديث الصحيحة تدلّ على أنّ القعود عن القتال والامساك عن الفتنة كان أحبّ إلى الله ورسوله(3) .
    يقول: وأمّا حديث أُمرت بقتال الناكثين والقاسطين

    ____________

    (1) منهاج السنّة 8 / 145.

    (2) منهاج السنّة 8 / 145.

    (3) منهاج السنّة 8 / 145.

    الصفحة 65
    والمارقين، فهذا كذب.

    لابدّ وأن يكذّبه، لانّه يصرّ على أنّ عليّاً لم يكن عنده دليل شرعي على قتاله، فلابدّ وأن يكون هذا الحديث كذباً.

    نصّ العبارة:

    لم يرو علي (رضي الله عنه) في قتال الجمل وصفّين شيئاً… وأمّا قتال الجمل وصفّين فلم يرو أحد منهم فيه نصّاً إلاّ القاعدون، فإنّهم رووا الاحاديث في ترك القتال في الفتنة، وأمّا الحديث الذي يُروى أنّه أمر بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين، فهو حديث موضوع على النبي (صلى الله عليه وسلم)(1) .
    وهذا الحديث يرويه من الصحابة:

    1 ـ أبو أيّوب الانصاري.

    2 ـ أمير المؤمنين.

    3 ـ عبدالله بن مسعود.

    4 ـ أبو سعيد الخدري.

    5 ـ عمّار بن ياسر.

    وغيرهم.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 6 / 112.

    الصفحة 66
    ومن الحفّاظ:

    1 ـ الطبري.

    2 ـ البزّار.

    3 ـ أبو يعلى.

    4 ـ ابن مردويه.

    5 ـ أبوالقاسم الطبراني.

    6 ـ الحاكم النيسابوري.

    7 ـ الخطيب البغدادي.

    8 ـ ابن عساكر.

    9 ـ ابن الاثير.

    10 ـ الجلال السيوطي.

    11 ـ ابن كثير.

    12 ـ المحب الطبري.

    13 ـ أبو بكر الهيثمي.

    14 ـ والمتقي الهندي.

    ومن أسانيده الصحيحة مارواه البزّار والطبراني في الاوسط، وترون النص على صحّته في مجمع الزوائد يقول بعد روايته: وأحد إسنادي البزّار رجاله رجال الصحيح، غير الربيع بن سعيد ووثّقه

    الصفحة 67
    ابن حبّان، وله أسانيد أُخرى صحيحة.

    الصفحة 68
    الصفحة 69

    افتراء ابن تيميّة على أمير المؤمنين (عليه السلام)

    وأمّا الاشياء التي نسبها إلى أمير المؤمنين، والاكاذيب التي هي في الحقيقة كذب عليه، في كلماته كثيرة، منها: إنّ عليّاً كان يقول مراراً: إنّ أبابكر وعمر أفضل منّي، وكان يفضّلهما على نفسه.

    يقول:

    حتى قال: لا يبلغني عن أحد أنّه فضّلني على أبي بكر وعمر إلاّ جلدته جلد المفتري(1) .
    هذا الشيء الذي نقله لم يذكر له مصدراً عن أمير المؤمنين، وأمير المؤمنين لم نسمع أنّه جلد أحداً من الصحابة لانّه فضّله على الشيخين، مع أنّ كثيرين من الصحابة كانوا في نفس الوقت وفي حياة أمير المؤمنين يفضّلون عليّاً على الشيخين بمسمع منه ومرأى.

    ____________

    (1) منهاج السنة 7 / 511.

    الصفحة 70
    إنّ ابن حزم في الفصل(1) ، وكذا ابن عبد البر في الاستيعاب(2) بترجمة أمير المؤمنين، هذان الحافظان الكبيران يذكران أسماء عدّة كبيرة من الصحابة كانوا يقولون بأفضليّة علي من الشيخين، ولم نسمع أنّ عليّاً جلد واحداً منهم.

    وأمّا هذا الخبر، فقد كفانا الدكتور محمّد رشاد سالم ـ الذي حقّق منهاج السنّة في طبعته الجديدة ـ مؤنة تحقيقه حيث قال: بأنّه ضعيف(3) .

    وكذب على علي وفاطمة الزهراء فزعم أنه روي:

    كما في الصحيح عن علي (رضي الله عنه)، قال: طرقني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفاطمة، فقال: «ألا تقومان تصليان ؟» فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا، قال: فولّى، وهو يقول:(وَكَانَ الاِْنسَانُ أَكثَرَ شَيء جَدَلاً)(4) .
    وكذب على أمير المؤمنين في قضيّة شرب الخمر(5) .

    ____________

    (1) الفصل في الملل والنحل 4 / 181.

    (2) الاستيعاب في معرفة الاصحاب 3 / 1090.

    (3) منهاج السنة 7 / 511، الهامش.

    (4) منهاج السنة 3 / 85، الاية سورة الكهف: 54.

    (5) منهاج السنة 7 / 237.

    en réponse à : ابن تيمية #222039
    hayefmajid
    Membre

    بغض ابن تيمية لامير المؤمنين (عليه السلام)

    وأبدأ بحثي بكلمة لابن حجر العسقلاني الحافظ بترجمته من كتاب الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، حيث يذكر قضايا مفصلة بترجمة ابن تيميّة وحوادث كلّها قابلة للذكر، إلاّ أنّي أكتفي بنقل مايلي:

    يقول الحافظ: وقال ابن تيميّة في حقّ علي: أخطأ في سبعة عشر شيئاً، ثمّ خالف فيها نصّ الكتاب….

    ويقول الحافظ ابن حجر: وافترق الناس فيه ـ أي في ابن تيميّة ـ شيعاً، فمنهم من نسبه إلى التجسيم، لما ذكر في العقيدة الحمويّة والواسطيّة وغيرهما من ذلك كقوله: إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة لله، وأنّه مستو على العرش بذاته….

    إلى أن يقول: ومنهم من ينسبه إلى الزندقة، لقوله: النبيّ (صلى الله عليه وسلم)لا يستغاث به، وأنّ في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي (صلى الله عليه وسلم)….

    الصفحة 10
    إلى أن يقول: ومنهم من ينسبه إلى النفاق، لقوله في علي ما تقدّم ـ أي قضيّة أنّه أخطأ في سبعة عشر شيئاً ـ ولقوله: إنّه ـ أي علي ـ كان مخذولاً حيثما توجّه، وأنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرئاسة لا للديانة، ولقوله: إنّه كان يحبّ الرئاسة، ولقوله: أسلم أبوبكر شيخاً يدري ما يقول، وعلي أسلم صبيّاً، والصبي لا يصحّ إسلامه، وبكلامه في قصّة خطبة بنت أبي جهل، وأنّ عليّاً مات وما نسيها.

    فإنّه شنّع في ذلك، فألزموه بالنفاق، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ولا يبغضك إلاّ منافق.

    إلى هنا القدر الذي نحتاج إليه من عبارة الحافظ ابن حجر بترجمة ابن تيميّة في الدرر الكامنة(1) .

    والان أذكر لكم الشواهد التفصيليّة لما نسب ابن تيميّة إليه من النفاق.

    إنّه يناقش في إسلام أمير المؤمنين، وفي جهاده بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلى أن يقول في موضع من كلامه، أقرأ لكم هذا المقطع وأنتقل إلى بحث آخر، يقول:

    ____________

    (1) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 1/154 ـ 155.

    الصفحة 11
    قبل أنْ يبعث الله محمّداً (صلى الله عليه وسلم) لم يكن أحد مؤمناً من قريش [ لاحظوا بدقّة كلمات هذا الرجل ] لا رجل، ولا صبيّ، ولا امرأة، ولا الثلاثة، ولا علي. وإذا قيل عن الرجال: إنّهم كانوا يعبدون الاصنام، فالصبيان كذلك: علي وغيره. [ فعلي كان يعبد الصنم في صغره !! ]وإن قيل: كفر الصبي ليس مثل كفر البالغ. قيل: ولا إيمان الصبي مثل إيمان البالغ. فأولئك يثبت لهم حكم الايمان والكفر وهم بالغون، وعلي يثبت له حكم الكفر والايمان وهو دون البلوغ، والصبي المولود بين أبوين كافرين يجري عليه حكم الكفر في الدنيا باتّفاق المسلمين(1) .
    أكتفي بهذا المقدار من عباراته في هذه المسألة.

    ويقول:

    إنّ الرافضة تعجز عن إثبات إيمان علي وعدالته… فإنْ احتجّوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده، فقد تواتر إسلام معاوية ويزيد وخلفاء بني أُميّة وبني العباس، وصلاتهم وصيامهم

    ____________

    (1) منهاج السنّة 8 / 285.

    الصفحة 12
    وجهادهم(1) .
    ويقول في موضع آخر:

    لم يعرف أنّ عليّاً كان يبغضه الكفّار والمنافقون(2) .
    ويقول:

    كلّ ما جاء في مواقفه في الغزوات كلّ ذلك كذب.
    إلى أن يقول مخاطباً العلاّمة الحلّي (رحمه الله) يقول:

    قد ذكر في هذه من الاكاذيب العظام التي لا تنفق إلاّ على من لم يعرف الاسلام، وكأنّه يخاطب بهذه الخرافات من لا يعرف ما جرى في الغزوات(3) .
    بالنسبة إلى علوم أمير المؤمنين ومعارفه، يناقش في جلّ ما ورد في هذا الباب، في نزول قوله تعالى: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)(4) يقول:

    ____________

    (1) منهاج السنّة 2 / 62.

    (2) منهاج السنّة 7 / 461.

    (3) منهاج السنّة 8 / 97.

    (4) الحاقة: 12.

    الصفحة 13
    إنّه حديث موضوع باتّفاق أهل العلم(1) .
    مع أنّ هذا الحديث موجود في:

    1 ـ تفسير الطبري.

    2 ـ مسند البزّار.

    3 ـ مسند سعيد بن منصور.

    4 ـ تفسير ابن أبي حاتم.

    5 ـ تفسير ابن المنذر.

    6 ـ تفسير ابن مردويه.

    7 ـ تفسير الفخر الرازي.

    8 ـ تفسير الزمخشري.

    9 ـ تفسير الواحدي.

    10 ـ تفسير السيوطي.

    ورواه من المحدّثين:

    1 ـ أبو نعيم.

    2 ـ الضياء المقدسي.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 7 / 522.

    الصفحة 14
    3 ـ ابن عساكر.

    4 ـ الهيثمي، في مجمع الزوائد.

    أكتفي بهذا المقدار(1) .

    حديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» يقول فيه:

    وحديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها» أضعف وأوهى، ولهذا إنّما يعدّ في الموضوعات(2) .
    مع أنّ هذا الحديث من رواته:

    1 ـ يحيى بن معين.

    2 ـ أحمد بن حنبل.

    3 ـ الترمذي.

    4 ـ البزّار.

    5 ـ ابن جرير الطبري.

    6 ـ الطبراني.

    7 ـ أبو الشيخ.

    8 ـ ابن بطّة.

    ____________

    (1) الاية في سورة الرعد، فلاحظ التفاسير، ومجمع الزوائد 1 / 131، وحلية الاولياء 1 / 67.

    (2) منهاج السنّة 7 / 515.

    الصفحة 15
    9 ـ الحاكم.

    10 ـ ابن مردويه.

    11 ـ أبو نعيم.

    12 ـ أبو مظفّر السمعاني.

    13 ـ البيهقي.

    14 ـ ابن الاثير.

    15 ـ النووي.

    16 ـ العلائي.

    17 ـ المزّي.

    18 ـ ابن حجر العسقلاني.

    19 ـ السخاوي.

    20 ـ السيوطي.

    21 ـ السمهودي.

    22 ـ ابن حجر المكّي.

    23 ـ القاري.

    24 ـ المنّاوي.

    25 ـ الزرقاني.

    وقد صحّحه غير واحد من هؤلاء الائمّة.

    الصفحة 16
    وحول حديث أقضاكم علي، يقول:

    فهذا الحديث لم يثبت، وليس له إسناد تقوم به الحجّة… لم يروه أحد في السنن المشهورة، ولا المساند المعروفة، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، وإنّما يروى من طريق من هو معروف بالكذب(1) .
    هذا الحديث موجود في: صحيح البخاري في كتاب التفسير باب قوله تعالى: (مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْر مِنْهَا)(2) كذا في الدرّ المنثور، وعن النسائي أيضاً، وابن الانباري، ودلائل النبوّة للبيهقي، وهو في الطبقات لابن سعد، وفي المسند لاحمد بن حنبل، وبترجمته (عليه السلام) من سنن ابن ماجة، وفي المستدرك على الصحيحين وقد صحّحه، وفي الاستيعاب، وأُسد الغابة، وحلية الاولياء، وفي الرياض النضرة، وغيرها من الكتب(3) .

    يقول:

    ____________

    (1) منهاج السنّة 7 / 512.

    (2) البقرة: 106.

    (3) الطبقات الكبرى ج2 ق2 ص102.

    الصفحة 17
    وقوله: ابن عباس تلميذ عليّ كلام باطل(1) .
    ويقول المنّاوي في فيض القدير بشرح حديث «علي مع القرآن والقرآن مع علي»، يقول: ولذا كان أعلم الناس بتفسيره….

    إلى أن قال: حتّى قال ابن عباس: ما أخذت من تفسيره فعن علي(2) .

    ويقول أيضاً:

    وأما قوله: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «أقضاكم علي» والقضاء يستلزم العلم والدين، فهذا الحديث لم يثبت، وليس له إسناد تقوم به الحجة، وقوله: «أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل» أقوى اسناداً منه، والعلم بالحلال والحرام ينتظم القضاء أعظم مما ينتظم للحلال والحرام(3) .
    يقول:

    والمعروف أنّ عليّاً أخذ العلم عن أبي

    ____________

    (1) منهاج السنّة 7 / 536.

    (2) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 4/357.

    (3) منهاج السنّة 7 / 512 ـ 513.

    الصفحة 18
    بكر(1) .
    يقول:

    له ـ أي لامير المؤمنين ـ فتاوى كثيرة تخالف النصوص(2) .
    كانت العبارة هناك سبعة عشر موضعاً، وعبارة ابن تيميّة هنا: له فتاوى كثيرة تخالف النصوص من الكتاب والسنّة.

    يقول:

    وقد جمع الشافعي ومحمد بن نصر المروزي كتاباً كبيراً فيما لم يأخذ به المسلمون من قول عليّ، لكون قول غيره من الصحابة اتبع للكتاب)والسنة(3) .
    والحال أنّ هذا الكتاب الذي ألّفه المروزي هو في المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة علي بن أبي طالب في فتاواه، فموضوع هذاالكتاب ـ كتاب المروزي ـ الفتاوى التي خالف فيها أبو حنيفة علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 5 / 513.

    (2) منهاج السنّة 7 / 502.

    (3) منهاج السنة 8 / 281.

    الصفحة 19
    لاحظوا، كم فرق بين أصل القضيّة وما يدّعيه ابن تيميّة !!

    يقول:

    وعثمان جمع القرآن كلّه بلا ريب، وكان أحياناً يقرؤه في ركعة، وعلي قد اختلف فيه هل حفظ القرآن كلّه أم لا؟(1) .
    ويقول:

    فإن قال الذابُّ عن علي: هؤلاء الذين قاتلهم علي كانوا بغاة، فقد ثبت في الصحيح: إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم)قال لعمّار بن ياسر (رضي الله عنه): «تقتلك الفئة الباغية»، وهم قتلوا عمّاراً، فههنا للناس أقوال: منهم من قدح في حديث عمّار، ومنهم من تأوّله على أنّ الباغي الطالب، وهو تأويل ضعيف، وأمّا السلف والائمّة فيقول أكثرهم كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم: لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية(2) .
    ففي قتال علي مع الناكثين والقاسطين والمارقين يقول: إنّ أبا حنيفة ومالكاً وأحمد وغيرهم كانوا يقولون بأنّ شرط البغاة لم يكن

    ____________

    (1) منهاج السنّة 8 / 229.

    (2) منهاج السنّة 4 / 390.

    الصفحة 20
    حاصلاً في هؤلاء حتّى يحاربهم علي (عليه السلام).

    يقول:

    جميع مدائن الاسلام بلغهم العلم عن الرسول من غير علي(1) .
    فإذن، لم يكن لعلي دور في نشر التعاليم الاسلاميّة والاحكام الشرعيّة والحقائق الدينيّة أبداً !!

    ____________

    (1) منهاج السنّة 7 / 516.

    الصفحة 21
    الصفحة 22

    تكذيب ابن تيمية فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)

    وأمّا في فضائله ومناقبه في القرآن الكريم، قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ)(1) إلى آخر الاية، يقول:

    وقد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الاية نزلت في علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل، وكذبه بيّن من وجوه كثيرة(2) .
    وهذا الحديث الذي يكذّبه ابن تيميّة، قد رواه عن ابن عباس:

    1 ـ عبدالرزاق.

    2 ـ عبد بن حميد.

    ____________

    (1) المائدة: 55.

    (2) منهاج السنّة 2 / 30.

    الصفحة 23
    3 ـ ابن جرير الطبري.

    4 ـ أبو الشيخ.

    5 ـ ابن مردويه.

    ورواه عن سلمة بن كهيل:

    1 ـ ابن أبي حاتم.

    2 ـ أبو الشيخ.

    3 ـ ابن عساكر.

    ومن رواة هذا الخبر:

    1 ـ الطبراني.

    2 ـ الثعلبي.

    3 ـ الواحدي.

    4 ـ الخطيب البغدادي.

    5 ـ ابن الجوزي.

    6 ـ المحب الطبري.

    7 ـ الهيثمي.

    8 ـ المتقي الهندي.

    وأيضاً: تجدون هذاالخبر في تفاسير: الفخر الرازي، والبغوي، والنسفي، والقرطبي، والبيضاوي، وأبي السعود

    الصفحة 24
    العمادي، والشوكاني.

    ويقول الالوسي الحنفي بتفسير الاية: غالب الاخباريين على أنّ هذه الاية نزلت في علي كرّم الله وجهه.

    وأضاف الالوسي: إنّ حسّاناً أنشد في ذلك أبياتاً، فذكر الالوسي تلك الابيات(1) .

    قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً)(2) ، يقول حول نزولها في علي (عليه السلام):

    إن هذا كذب ليس بثابت(3) .
    مع أنّ من رواة نزول هذه الاية في علي:

    1 ـ عبدالرزاق بن همّام الصنعاني.

    2 ـ عبد بن حميد.

    3 ـ ابن جرير.

    4 ـ ابن المنذر.

    5 ـ ابن أبي حاتم.

    6 ـ الطبراني.

    ____________

    (1) روح المعاني في تفسير القرآن 6 / 167.

    (2) البقرة 274.

    (3) منهاج السنّة 7 / 228.

    الصفحة 25
    7 ـ ابن عساكر.

    8 ـ الواحدي.

    9 ـ أبو نعيم.

    10 ـ الفخر الرازي.

    11 ـ الزمخشري.

    12 ـ محب الدين الطبري.

    13 ـ ابن الاثير.

    14 ـ السيوطي.

    15 ـ ابن حجر المكي.

    مع ذلك يقول: إنّ هذا كذب ليس بثابت، لكنّ هذه التفاسير الباطلة يقول مثلها كثير من الجهّال.

    قوله تعالى: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد)(1) ، يقول حول نزولها في عليّ (عليه السلام):

    إن هذا كذب موضوع بإتفاق أهل العلم بالحديث(2) .
    مع أنّ من رواة نزول الاية في علي:

    ____________

    (1) الرعد: 7.

    (2) منهاج السنّة 7 / 139.

    الصفحة 26
    1 ـ عبدالله بن أحمد بن حنبل.

    2 ـ الطبري.

    3 ـ الحاكم.

    4 ـ إبن أبي حاتم.

    5 ـ الضياء المقدسي.

    6 ـ الطبراني.

    7 ـ ابن مردوية.

    8 ـ أبو نعيم.

    9 ـ ابن عساكر.

    10 ـ ابن النجّار.

    11 ـ الديلمي.

    12 ـ الهيثمي.

    13 ـ السيوطي.

    14 ـ المتقي الهندي.

    ويقول الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد.

    ويقول الهيثمي في مجمع الزوائد بعد أن يروي هذا الحديث يقول: رجال السند ثقات.

    والضياء المقدسي أخرج هذا الحديث في كتابه المختارة

    الصفحة 27
    الملتزم فيه بالصحة(1) .

    وحول حديث: «علي مع الحق والحق مع علي»، يقول:

    من أعظم الكلام كذباً وجهلاً، فإنّ هذا الحديث لم يروه أحد عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، فكيف يقال: إنّهم جميعاً رووا هذا الحديث ؟ وهل يكون أكذب ممّن يروي عن الصحابة والعلماء أنّهم رووا حديثاً، والحديث لا يعرف عن واحد منهم أصلاً، بل هذا من أظهر الكذب(2) .
    والحال أنّ من رواة هذا الحديث من الصحابة:

    أولاً: أمير المؤمنين (عليه السلام)، أخرج الحديث عنه الترمذي في صحيحه، والحاكم في المستدرك.

    ثانياً: سيّدتنا أُمّ سلمة، أخرج الحديث عنها الطبراني، وأبو بشر الدولابي، والخطيب البغدادي، وابن عساكر.

    ثالثاً: سعد بن أبي وقّاص، أخرج الحديث عنه البزّار، وقد قال الهيثمي بعد أن روى الحديث هذا: فيه سعد بن شعيب ولم

    ____________

    (1) الاية في سورة الرعد، فراجع الطبري والدر المنثور وغيرهما بتفسيرها، والمستدرك 3 / 129، ومجمع الزوائد 7 / 41.

    (2) منهاج السنّة 4 / 238.

    الصفحة 28
    أعرفه، وبقيّة رجاله رجال الصحيح.

    رابعاً: أبو سعيد الخدري، رواه عنه الحافظ أبو يعلى، وقد روى عنه الهيثمي هذا الحديث في مجمع الزوائد وقال: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.

    خامساً: عائشة، فإنّها روت هذا الحديث، والحديث موجود في الامامة والسياسة لابن قتيبة.

    سادساً: صحابي آخر روى هذا الحديث، أخرجه الطبراني في الكبير.

    قال المتقي: تكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحقّ ـ يعني علياً ـ هذا في كنز العمّال(1) .

    فهؤلاء الصحابة، وهؤلاء كبار العلماء والمحدّثين، الذين يروون هذا الحديث بأسانيدهم عن أُولئك الصحابة.

    وفي حديث المؤاخاة يقول:

    أمّا حديث المؤاخاة فباطل موضوع… إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يؤاخ عليّاً ولا غيره، وحديث المؤاخاة لعلي، وحديث مؤاخاة أبي بكر لعمر، من الاكاذيب…

    ____________

    (1) كنز العمال 11/621، الترمذي، المستدرك3 / 125، مجمع الزوائد 9 / 134، ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق 3 / 118.

    الصفحة 29
    إنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) لم يؤاخ عليّاً ولا غيره، بل كلّ ما روي في هذا فهو كذب…

    إنّ أحاديث المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم من بعض والانصار بعضهم من بعض كلّها كذب، والنبي (صلى الله عليه وسلم)لم يؤاخ عليّاً…

    إنّ أحاديث المؤاخاة لعلي كلّها موضوعة.
    وهذه نصوص في أجزاء متعددة في كتابه، لاحظوا من الجزء الرابع إلى الجزء السابع في الطبعة الجديدة ذات الاجزاء التسعة، يكذّب هذا الحديث في مواضع عديدة(1) .

    والحال أنّك تجد حديث المؤاخاة في: الترمذي (5/595)، الطبقات لابن سعد (2/60)، المستدرك (3/16)، مصابيح السنّة (4/173)، الاستيعاب (3/1089)، البداية والنهاية (7/371)، الرياض النضرة (3/111)، مشكاة المصابيح (3/356)، الصواعق المحرقة (122)، تاريخ الخلفاء (159).

    هذه بعض المصادر.

    والرواة من الصحابة لهذا الخبر هم:

    1 ـ علي (عليه السلام).

    ____________

    (1) منهاج السنّة 4 / 32، 5 / 71، 7 / 117، 279.

    الصفحة 30
    2 ـ عبدالله بن عباس.

    3 ـ أبو ذر.

    4 ـ جابر.

    5 ـ عمر بن الخطاب.

    6 ـ أنس بن مالك.

    7 ـ عبدالله بن عمر.

    8 ـ زيد بن أرقم.

    وغيرهم.

    وتجدون هذا الحديث أيضاً في: مناقب أحمد (ح141)، وفي ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق (برقم 148)، وفي كنز العمال (13/106).

    وأيضاً تجدون هذا الخبر في كتب السير والتواريخ، راجعوا: سيرة ابن هشام (2/109)، السيرة النبويّة لابن حبّان (149)، عيون الاثر لابن سيد الناس (1/264)، الحلبيّة (2/23)، وفي هامشها سيرة زيني دحلان (1/322).

    والعجيب أنّ غير واحد من أعلام القوم يردّون على ابن تيميّة في هذه المسألة بالخصوص:

    يقول الحافظ ابن حجر ـ بعد ذكر الخبر عن الواقدي وابن سعد

    الصفحة 31
    وابن إسحاق وابن عبد البر والسهيلي وابن كثير وغيرهم ـ: وأنكر ابن تيميّة في كتاب الرد على ابن المطهّر الرافضي ـ أي كتاب منهاج السنّة ـ أنكر المؤاخاة بين المهاجرين، وخصوصاً مؤاخاة النبي لعلي، قال: لانّ المؤاخاة شرّعت لارفاق بعضهم بعضاً، ولتأليف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي لاحد منهم، ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري، وهذا ردّ للنصّ بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة.

    يقول الحافظ: وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني، وابن تيميّة يصرّح بأنّ أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك للحاكم النيسابوري(1) .

    وقال الزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنيّة، تحت عنوان ذكر المؤاخاة بين الصحابة: وكانت كما قال ابن عبد البر وغيره مرّتين، الاُولى بمكّة قبل الهجرة بين المهاجرين بعضهم بعضاً على الحقّ والمواساة، فآخى بين أبي بكر وعمر، وهكذا بين كلّ اثنين منهم، إلى أن بقي علي، فقال: آخيت بين أصحابك فمن أخي ؟ قال: «أنا أخوك». وجاءت أحاديث كثيرة في مؤاخاة

    ____________

    (1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 / 217.

    الصفحة 32
    النبي لعلي، وقد روى الترمذي وحسّنه، والحاكم وصحّحه، عن ابن عمر أنّه (صلى الله عليه وسلم) قال لعلي: «أما ترضى أن أكون أخاك ؟» قال: بلى، قال: «أنت أخي في الدنيا والاخرة».

    يقول الزرقاني: وأنكر ابن تيميّة هذه المؤاخاة بين المهاجرين، خصوصاً بين المصطفى وعلي، وزعم أنّ ذلك من الاكاذيب، وردّه الحافظ ـ أي ابن حجر العسقلاني ـ بأنّه ردّ للنصّ بالقياس(1) .

    ويقول ابن تيميّة حول حديث التشبيه، هذا الحديث الذي بحثنا عنه قريباً، يقول:

    هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)بلا ريب عند أهل العلم بالحديث(2) .
    مع أنّ هذا الحديث من رواته:

    1 ـ عبدالرزّاق الصنعاني.

    2 ـ أحمد بن حنبل.

    3 ـ أبو حاتم.

    4 ـ محمد بن إدريس الرازي.

    ____________

    (1) شرح المواهب اللدنيّة 1/273.

    (2) منهاج السنّة 5 / 510.

    الصفحة 33
    5 ـ الحاكم النيسابوري.

    6 ـ أبو بكر البيهقي.

    7 ـ ابن مردويه.

    8 ـ أبو نعيم.

    ومن أصحّ أسانيده وأجودها رواية عبدالرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، عن رسول الله.

    وقد قرأنا هذا النصّ سابقاً.

    يقول ابن تيميّة: حول حديث «وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي»، يقول:

    كذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)(1) .
    والحال أنّ هذا الحديث من رواته من الصحابة:

    1 ـ أمير المؤمنين.

    2 ـ الامام الحسن المجتبى.

    3 ـ أبو ذر الغفاري.

    4 ـ عبدالله بن عباس.

    5 ـ أبو سعيد الخدري.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 7 / 391.

    الصفحة 34
    6 ـ البراء بن عازب.

    7 ـ أبو ليلى الانصاري.

    8 ـ عمران بن الحصين.

    9 ـ بريدة بن الحصيب.

    10 ـ عبدالله بن عمر.

    11 ـ عمرو بن العاص.

    12 ـ وهب بن حمزة.

    ورواه من الائمّة الحفّاظ:

    1 ـ أبو داود الطيالسي.

    2 ـ ابن أبي شيبة.

    3 ـ أحمد بن حنبل.

    4 ـ الترمذي.

    5 ـ النسائي.

    6 ـ أبو يعلى الموصلي.

    7 ـ ابن جرير الطبري.

    8 ـ الطبراني.

    9 ـ الحاكم.

    10 ـ ابن مردويه.

    الصفحة 35
    11 ـ أبو نعيم.

    12 ـ ابن عبدالبر.

    13 ـ ابن الاثير.

    14 ـ الضياء.

    15 ـ ابن حجر.

    16 ـ جلال الدين السيوطي.

    يقول ابن عبدالبر: هذا إسناد لا مطعن فيه لاحد، لصحّته وثقة رجاله.

    وصحّحه ابن أبي شيبة، وصحّحه أيضاً السيوطي، وصحّحه ابن جرير الطبري، وأخرجه أحمد في المسند بسند صحيح(1) .

    وأيضاً أخرجه الترمذي وحسّنه، والنسائي في الخصائص بسند صحيح، وابن حبّان في صحيحه، وأخرجه الحاكم وصحّحه على شرط مسلم.

    وقال الحافظ ابن حجر بترجمة أمير المؤمنين من الاصابة قال: أخرجه الترمذي بإسناد قوي عن عمران بن حصين.

    حديث «اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه»، يقول:

    ____________

    (1) مسند أحمد 4 / 437.

    الصفحة 36
    كذب باتّفاق أهل المعرفة بالحديث(1) .
    مع أنّ هذا الحديث أخرجه:

    1 ـ أحمد بأسانيد صحيحة.

    2 ـ ابن أبي شيبة.

    3 ـ ابن راهويه.

    4 ـ ابن جرير.

    5 ـ سعيد بن منصور.

    6 ـ الطبراني.

    7 ـ أبو نعيم.

    8 ـ الحاكم.

    9 ـ الخطيب.

    10 ـ وأخرجه النسائي بسند صحيح.

    11 ـ البزّار بأسانيد صحيحة.

    12 ـ أبو يعلى بسندين صحيحين.

    13 ـ أخرجه ابن حبّان في صحيحه.

    14 ـ وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رجال إسناده ثقات.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 7 / 55.

    الصفحة 37
    حديث يوم الدار في قضيّة (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ)(1) ، يقول:

    هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث، فما من عالم يعرف الحديث إلاّ وهو يعلم أنّه كذب موضوع(2) .
    وإذا كان كذلك، فحينئذ جميع من روى هذا الحديث من علمائهم يعلم بأنّه كذب موضوع، مع ذلك رواه في كتابه، أو إنّ هؤلاء الرواة ليسوا بعلماء أصلاً !!

    من رواته أحمد في المسند، ومن رواته علماء كثيرون.

    يقول الهيثمي بعد روايته(3) : ورجال أحمد وأحد إسنادي البزّار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة.

    وأخرجه أيضاً:

    1 ـ ابن اسحاق.

    2 ـ الطبري.

    3 ـ الطحاوي.

    ____________

    (1) الشعراء: 214.

    (2) منهاج السنّة 7 / 302.

    (3) مجمع الزوائد 8 / 302.

    الصفحة 38
    4 ـ ابن أبي حاتم.

    5 ـ ابن مردويه.

    6 ـ أبو نعيم الاصفهاني.

    7 ـ الضياء المقدسي.

    8 ـ المتقي الهندي.

    والسيوطي يرويه عن جماعة، والبيهقي يرويه في دلائل النبوة، وأبو نعيم أيضاً في دلائل النبوة، يروون النصّ الكامل لهذا الخبر وينصّون على صحّته في غير واحد من الكتب كما قرأنا.

    وأيضاً ينصّ على صحّته الشهاب الخفاجي في شرح الشفاء للقاضي عياض وغيره من كبار علمائهم.

    حديث: «هذا فاروق أُمّتي»، وكذا ما روي عن غير واحد من الصحابة أنّهم كانوا يقولون: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم عليّاً، يقول:

    أمّا هذان الحديثان فلا يستريب أهل المعرفة بالحديث أنّهما حديثان موضوعان مكذوبان على النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولم يرو واحد منهما في شيء من كتب العلم المعتمدة، ولا لواحد منهما إسناد

    الصفحة 39
    معروف(1) .
    عجيب !! إنّه يقول:

    ونحن نقنع في هذا الباب بأنْ يروى الحديث بإسناد معروفين بالصدق من أيّ طائفة كانوا.
    يعني حتّى من الشيعة يقبل، ثمّ يقول:

    كلّ من الحديثين يعلم بالدليل أنّه كذب، لا تجوز نسبته إلى النبي.
    أمّا حديث: «هذا فاروق أُمّتي»، فمن رواته من الصحابة:

    1 ـ سلمان الفارسي.

    2 ـ ابن عباس.

    3 ـ أبو ذر.

    4 ـ حذيفة.

    5 ـ أبو ليلى.

    من رواته من أئمّة الحديث وحفّاظه:

    1 ـ الطبراني.

    2 ـ البزّار.

    3 ـ البيهقي.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 4 / 286 ـ 290.

    الصفحة 40
    4 ـ أبو نعيم.

    5 ـ ابن عبد البر.

    6 ـ ابن عساكر.

    7 ـ ابن الاثير.

    8 ـ ابن حجر.

    9 ـ المحب الطبري.

    10 ـ المنّاوي.

    11 ـ المتقي الهندي.

    وغيرهم.

    يقول: ليسا في الكتب المعتمدة، والحديث موجود في: مسند البزّار، في معجم الطبراني، في تاريخ دمشق، في الاستيعاب، وأسد الغابة، والاصابة، ومجمع الزوائد، وكنز العمّال، في فيض القدير، والرياض النضرة، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى(1) .

    ومن أسانيده الصحيحة ما أخرجه الطبراني في الكبير، وقد ذكرت بعض أسانيده الصحيحة.

    ____________

    (1) المعجم الكبير 6 / 269، كنز العمال 11 / 616، فيض القدير 4 / 358.

    الصفحة 41
    أمّا قول بعض الصحابة: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم عليّاً، فهذا مروي:

    1 ـ عن أبي ذر.

    2 ـ عن عبدالله بن مسعود.

    3 ـ عن عبدالله بن عباس.

    4 ـ عن جابر بن عبدالله الانصاري.

    5 ـ وعن أبي سعيد الخدري.

    6 ـ وعن أنس بن مالك.

    7 ـ وعن عبدالله بن عمر.

    ومن رواة هذه الاخبار:

    1 ـ أحمد بن حنبل.

    2 ـ الترمذي.

    3 ـ البزّار.

    4 ـ الطبراني.

    5 ـ الحاكم.

    6 ـ الخطيب البغدادي.

    7 ـ أبو نعيم الاصفهاني.

    8 ـ ابن عساكر.

    الصفحة 42
    9 ـ ابن عبدالبر.

    10 ـ ابن الاثير.

    11 ـ النووي.

    12 ـ الهيثمي.

    13 ـ المحب الطبري.

    14 ـ الذهبي.

    15 ـ السيوطي.

    16 ـ ابن حجر المكّي.

    17 ـ المتقي الهندي.

    18 ـ الالوسي، في تفسيره(1) .

    ومن أسانيده الصحيحة أيضاً ما ذكرته هنا، ومن جملتها ما أخرجه أحمد في مسنده: حدّثنا أسود بن عامر، حدّثنا إسرائيل، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري: وكنّا نعرف منافقي الانصار ببغضهم عليّاً.

    في مناقب الصحابة لاحمد بن حنبل رقم 979.

    وقال محققه: إسناده صحيح.

    ____________

    (1) مناقب عليّ من كتاب فضائل الصحابة برقم 979، صحيح الترمذي 5 / 593، المستدرك 3 / 129، الاستيعاب 3 / 1110.

    الصفحة 43
    وهذا الكتاب مطبوع أخيراً في الحجاز، من منشورات جامعة أُمّ القرى في مكّة المكرّمة، والمحقق منهم.

    حديث «مثل أهل بيتي كسفينة نوح»، يقول:

    وأمّا قوله: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح» فهذا لا يعرف له إسناد، لا صحيح ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها، فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطّاب الليل الذين يروون الموضوعات، فهذا ممّا يزيده وهناً(1) .
    والحال أنّ من رواة الحديث من الصحابة:

    1 ـ أمير المؤمنين.

    2 ـ أبو ذر.

    3 ـ عبدالله بن عباس.

    4 ـ أبو سعيد الخدري.

    5 ـ أبو الطفيل.

    6 ـ أنس بن مالك.

    7 ـ عبدالله بن الزبير.

    8 ـ سلمة بن الاكوع.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 7 / 395.

    الصفحة 44
    ومن رواته في الكتب المعتبرة:

    1 ـ أحمد بن حنبل.

    2 ـ البزّار.

    3 ـ أبو يعلى.

    4 ـ ابن جرير الطبري.

    5 ـ النسائي.

    6 ـ الطبراني.

    7 ـ الدارقطني.

    8 ـ الحاكم.

    9 ـ ابن مردويه.

    10 ـ أبو نعيم الاصفهاني.

    11 ـ الخطيب البغدادي.

    12 ـ أبو المظفّر السمعاني.

    13 ـ المجد ابن الاثير.

    14 ـ المحب الطبري.

    15 ـ الذهبي.

    16 ـ ابن حجر العسقلاني.

    17 ـ السخاوي.

    الصفحة 45
    18 ـ السيوطي.

    19 ـ ابن حجر المكّي.

    20 ـ المتقي.

    21 ـ القاري.

    22 ـ المنّاوي.

    وغيرهم.

    فإنْ كان هؤلاء من حطّاب الليل، فأهلاً وسهلاً، ما عندنا أيّ مانع، ما عندنا أي مضايقة من قبول هذه الدعوى، وأهلاً وسهلاً، وهو نعم المطلوب.

    وهذا الحديث أخرجه الحاكم وصحّحه على شرط مسلم، وأخرجه الخطيب في المشكاة، وهو ملتزم في هذا الكتاب تبعاً لمصابيح السنّة بأنْ لا يخرج الموضوعات، وإنّما الصحاح والحسان فقط.

    وله أسانيد صحيحة أيضاً غير هذه(1) .

    ____________

    (1) المعجم الصغير 2 / 22، مشكاة المصابيح 3 / 1742، المستدرك 2 / 343، مجمع الزوائد 9 / 168، تاريخ بغداد 12 / 91، المطالب العالية 4 / 75، فيض القدير 2 / 519، 5 / 517، كنز العمال 13 / 82، 85.

    الصفحة 46
    وحول حديث الطير، يقول:

    إنّ حديث الطير من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة…(1) .
    لكنّ هذا الحديث ـ على ما عثرنا عليه نحن ـ رواه عن رسول الله من الصحابة:

    1 ـ علي (عليه السلام)، وهو عند الحاكم.

    2 ـ عبدالله بن عباس، وهو عند جماعة منهم ابن سعد.

    3 ـ أبو سعيد الخدري، رواه الحاكم أيضاً.

    4 ـ سفينة، حديثه عند الحاكم، وعند أحمد بن حنبل.

    5 ـ أبو الطفيل، حديثه عنه الحاكم.

    6 ـ أنس بن مالك، حديثه عند الترمذي والبزّار والنسائي والحاكم والبيهقي وابن حجر.

    7 ـ سعد بن أبي وقّاص، حديثه عند أبي نعيم الاصفهاني.

    8 ـ عمرو بن العاص، وحديثه موجود في كتاب له إلى معاوية، يرويه الخوارزمي في المناقب.

    9 ـ يعلى بن مرّة، روى هذا الحديث عنه جماعة منهم أبو

    ____________

    (1) منهاج السنّة 7 / 371.

    الصفحة 47
    عبدالله الكنجي.

    10 ـ جابر بن عبدالله الانصاري، حديثه عند ابن عساكر.

    11 ـ أبو رافع، حديثه عند ابن كثير.

    12 ـ حبشي بن جنادة، حديثه عند ابن كثير أيضاً.

    ومن رواة هذا الحديث من الائمّة:

    1 ـ أبو حنيفة، إمام الحنفيّة.

    2 ـ أحمد بن حنبل.

    3 ـ أبوحاتم الرازي.

    4 ـ الترمذي.

    5 ـ البزّار.

    6 ـ النسائي.

    7 ـ أبو يعلى.

    8 ـ محمّد بن جرير الطبري.

    9 ـ الطبراني.

    10 ـ الدارقطني.

    11 ـ ابن بطّة العكبري.

    12 ـ الحاكم.

    13 ـ ابن مردويه.

    الصفحة 48
    14 ـ البيهقي.

    15 ـ ابن عبدالبرّ.

    16 ـ الخطيب.

    17 ـ أبو المظفر السمعاني.

    18 ـ البغوي.

    19 ـ ابن عساكر.

    20 ـ ابن الاثير.

    21 ـ المزّي.

    22 ـ الذهبي.

    23 ـ ابن حجر العسقلاني.

    24 ـ السيوطي.

    وغيرهم.

    وقد أفرد بعضهم لجمع طرق هذا الحديث كتباً خاصّة، منهم:

    1 ـ ابن جرير الطبري.

    2 ـ ابن عقدة.

    3 ـ ابن مردويه.

    4 ـ ابو نعيم.

    5 ـ أبو طاهر بن حمدان.

    الصفحة 49
    6 ـ الذهبي، يقول: لي جزء في جمع طرقه، وهذا تصريح الذهبي نفسه في كتاب تذكرة الحفّاظ وغيره من كتبه.

    وقد نصّ غير واحد من العلماء على صحّة بعض أسانيده، منهم: الحافظ ابن كثير، ينصّ في تاريخه على صحّة بعض أسانيد هذا الحديث، وجودة بعض طرقه، ولا أُريد أن أُطيل عليكم، وإلاّ لذكرت لكم كلّ ذلك(1) .

    ____________

    (1) المعجم الكبير 7 / 82، المستدرك على الصحيحين 3 / 130، البداية والنهاية 7 / 352، مجمع الزوائد 9 / 125.

    الصفحة 50

    بحث ابن تيمية في خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)

    وتصل النوبة إلى بحث ابن تيميّة في خلافة أمير المؤمنين، وهل يرضى ابن تيميّة بخلافة علي باعتبار أنّه خليفة رابع أو لا يرضى ؟ وهل يرتضيه بأن يكون من الخلفاء الراشدين أو لا ؟

    أوّل شيء يكرّره ابن تيميّة في كتابه منهاج السنّة عدم ثبوت خلافة أمير المؤمنين، يقول:

    إضطرب الناس في خلافة علي على أقوال: فقالت طائفة: إنّه إمام وإنّ معاوية إمام…، وقالت طائفة: لم يكن في ذلك الزمان إمام عام، بل كان زمان فتنة…، وقالت طائفة ثالثة: بل علي هو الامام، وهو مصيب في قتاله لمن قاتله، وكذلك من قاتله من الصحابة كطلحة والزبير كلّهم مجتهدون مصيبون…،

    الصفحة 51
    وطائفة رابعة تجعل عليّاً هو الامام، وكان مجتهداً مصيباً في القتال، ومن قاتله كانوا مجتهدين مخطئين…، وطائفة خامسة تقول: إنّ عليّاً مع كونه كان خليفة وهو أقرب إلى الحقّ من معاوية فكان ترك القتال أولى(1) .
    خمس طوائف ولم يذكر قولاً سادساً.

    يقول:

    وأما علي فكثير من السابقين الاولين لم يتّبعوه ولم يبايعوه، وكثير من الصحابة والتابعين قاتلوه(2) .
    ويقول:

    ونحن نعلم أنّ عليّاً لمّا تولّى، كان كثير من الناس يختار ولاية معاوية وولاية غيرهما(3) .

    ومن جوّز خليفتين في وقت يقول: كلاهما خلافة نبوة… وإن قيل: إنّ خلافة علي ثبتت بمبايعة أهل الشوكة، كما ثبتت خلافة من كان قبله بذلك،أو

    ____________

    (1) منهاج السنّة 1 / 537 ـ 539.

    (2) منهاج السنّة 8 / 234.

    (3) منهاج السنّة 4 / 89.

    الصفحة 52
    ردوا على ذلك أنّ طلحة بايعه مكرهاً، والذين بايعوه قاتلوه، فلم تتفق أهل الشوكة على طاعته.

    وأيضاً فإنّما تجب مبايعته كمبايعة من قبله إذا سار سيرة من قبله(1) .
    وإن لم يسر سيرة من قبله فلم يبايعه أحد على ذلك.

    ويقول:

    وأمّا علي فكثير من السابقين الاوّلين لم يتّبعوه ولم يبايعوه، وكثير من الصحابة والتابعين قاتلوه(2) .
    فإذا نسب إلى الشيعة أنّهم يبغضون الصحابة إذن يبغضون كثيراً من الصحابة والتابعين الذين قاتلوا عليّاً.

    أقول: نعم نبغضهم ويبغضهم كلّ مسلم.

    قال في الجواب عن حديث «من ناصب علياً الخلافة فهو كافر»، قال:

    إنّ هذه الاحاديث تقدح في علي، وتوجب أنّه كان مكذّباً لله ورسوله، فيلزم من صحّتها كفر

    ____________

    (1) منهاج السنّة 4 / 465.

    (2) منهاج السنّة 8 / 234.

    الصفحة 53
    الصحابة كلّهم هو وغيره، أمّا الذين ناصبوه الخلافة فإنّهم في هذا الحديث المفترى كفّار، وأمّا علي فإنّه لم يعمل بموجب هذه النصوص.
    قال:

    وأما علي فكثير من السابقين الاولين لم يتّبعوه ولم يبايعوه، وكثير من الصحابة والتابعين قاتلوه(1) .
    لاحظوا نصّ العبارة:

    ونصف الاُمّة أو أقل أو أكثر لم يبايعوه، بل كثير منهم قاتلوه وقاتلهم، وكثير منهم لم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه(2) .
    إذن، نصف الاُمّة كانوا مخالفين لعلي، ونحن نقول: ارتدّت الاُمّة بعد رسول الله باعتراف ابن تيميّة، ارتدّت عن ولاية أمير المؤمنين إنْ كان كلامه حقّاً.

    ثمّ يقول ـ ولاحظوا عباراته، كلمات حتّى سماعها يحزّ في النفس، فكيف قراءتها والنظر فيها والتأمل فيها ـ يقول:

    ____________

    (1) منهاج السنة 8 / 234.

    (2) منهاج السنة 4 / 105.

    الصفحة 54
    لكنّ نصف رعيّته يطعنون في عدله، فالخوارج يكفّرونه، وغير الخوارج من أهل بيته وغير أهل بيته يقولون: إنّه لم ينصفهم، وشيعة عثمان يقولون: إنّه ممّن ظلم عثمان. وبالجملة، لم يظهر لعلي من العدل، مع كثرة الرعية وانتشارها، ما ظهر لعمر، ولا قريب منه(1) .
    لاحظوا العبارات:

    وأمّا تخلّف من تخلّف عن مبايعته، فعذرهم في ذلك أظهر من عذر سعد بن عبادة وغيره لمّا تخلّفوا عن بيعة أبي بكر(2) .
    ثمّ يصعد أكثر من هذا ويقول:

    وروي عن الشافعي وغيرهم أنّهم قالوا: الخلفاء ثلاثة أبوبكر وعمر وعثمان(3) .

    لاحظوا نصّ العبارة:

    والخلفاء الثلاثة فتحوا الامصار، وأظهروا الدين في مشارق الارض ومغاربها، ولم يكن معهم

    ____________

    (1) منهاج السنة 6 / 18.

    (2) منهاج السنة 4 / 388.

    (3) منهاج السنة 4 / 404.

    الصفحة 55
    رافضي، بل بنو أميّة بعدهم، مع انحراف كثير منهم عن علي وسبّ بعضهم له، غلبوا على مدائن الاسلام كلّها من مشارق الارض إلى مغربها، وكان الاسلام في زمنهم
    أعزّ منه فيما بعد ذلك بكثير… وأظهروا الاسلام فيها وأقاموه… ويقال: إنّ فيهم من كان يسكت عن علي، فلا يربّع به في الخلافة، لانّ الاُمّة لم تجتمع عليه… وقد صنّف بعض علماء الغرب كتاباً كبيراً في الفتوح، فذكر فتوح النبي (صلى الله عليه وسلم)، وفتوح الخلفاء بعده أبي بكر وعمر وعثمان، ولم يذكر عليّاً مع حبّه له وموالاته له، لانّه لم يكن في زمنه فتوح(1) .

    وكان بالاندلس كثير من بني أُميّة… يقولون: لم يكن خليفة، وإنّما الخليفة من اجتمع الناس عليه، ولم يجتمعوا على علي. وكان من هؤلاء من يربّع بمعاوية في خطبة الجمعة، فيذكر الثلاثة ويربّع بمعاوية ولا يذكر عليّاً…(2) .

    ____________

    (1) منهاج السنّة 6 / 419 ـ 420.

    (2) منهاج السنّة 4 / 401 ـ 402.

    الصفحة 56
    إلى أنْ يقول:

    فلم يظهر في خلافته دين الاسلام، بل وقعت الفتنة بين أهله، وطمع فيهم عدوّهم من الكفّار والنصارى والمجوس(1) .
    قال:

    وأمّا علي فلم يتفق المسلمون على مبايعته، بل وقعت الفتنة في تلك المدّة، وكان السيف في تلك المدّة مكفوفاً عن الكفّار مسلولاً على أهل)الاسلام(2) .

    وهذا كان حجّة من كان يربّع بذكر معاوية ولا يذكر عليّاً(3) .

    ولم يكن في خلافة علي للمؤمنين الرحمة التي كانت في زمن عمر وعثمان، بل كانوا يقتتلون ويتلاعنون، ولم يكن لهم على الكفّار سيف، بل الكفّار كانوا قد طمعوا فيهم، وأخذوا منهم أموالاً

    ____________

    (1) منهاج السنّة 4 / 117.

    (2) منهاج السنّة 4 / 161.

    (3) منهاج السنّة 4 / 162.

    الصفحة 57
    وبلاداً(1) .

    فإذا لم يوجد من يدّعي الاماميّة فيه أنّه معصوم وحصل له سلطان بمبايعة ذي الشوكة إلاّ علي وحده، وكان مصلحة المكلّفين واللّطف الذي حصل لهم في دينهم ودنياهم في ذلك الزمان أقلّ منه في زمن الخلفاء الثلاثة، وعلم بالضرورة أن ما يدّعونه من اللطف والمصلحة الحاصلة بالائمّة المعصومين باطل قطعاً(2) .
    يقول:

    ومن ظنّ أنّ هؤلاء الاثني عشر هم الذين تعتقد الروافض إمامتهم، فهو في غاية الجهل، فإنّ هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلاّ علي بن أبي طالب، ومع هذا فلم يتمكّن في خلافته من غزو الكفّار، ولا فتح مدينة ولا قتل كافراً، بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض، حتّى طمع فيهم الكفّار بالشرق والشام، من المشركين وأهل الكتاب، حتّى يقال إنّهم أخذوا بعض بلاد المسلمين،

    ____________

    (1) منهاج السنّة 4 / 485.

    (2) منهاج السنّة 3 / 379.

    الصفحة 58
    وإنّ بعض الكفّار كان يحمل إليه كلام حتّى يكفّ عن المسلمين، فأيّ عزّ للاسلام في هذا ـ أي في حكومة علي.

    … وأيضاً فالاسلام عند الاماميّة هو ما هم عليه، وهم أذلّ فرق الاُمّة، فليس في أهل الاهواء أذلّ من الرافضة(1) .
    ثمّ يقول العبارة التي نقلها ابن حجر، وقرأناها في كتاب الدرر الكامنة، يقول:

    فإنّ عليّاً قاتل على الولاية، وقُتل بسبب ذلك خلق كثير، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفّار ولا فتح لبلادهم، ولا كان المسلمون في زيادة خير(2) .

    فما زاد الامر إلاّ شدّة، وجانبه إلاّ ضعفاً، وجانب من حاربه إلاّ قوّة والاُمّة إلاّ افتراقاً(3) .
    ثمّ يقول:

    ولهذا جعل طائفة من الناس خلافة علي من

    ____________

    (1) منهاج السنّة 8 / 241 ـ 242.

    (2) منهاج السنّة 6 / 191.

    (3) منهاج السنّة 7 / 452.

    الصفحة 59
    هذا الباب، وقالوا: لم تثبت بنص ولا إجماع(1) .
    ثمّ يقول:

    لان النص والاجماع المثبتين لخلافة أبي بكر ليس في خلافة عليّ مثلها، فانه ليس في الصحيحين ما يدلّ على خلافته، وإنّما روى ذلك أهل السنن، وقد طعن بعض أهل الحديث في حديث سفينة(2) .
    فعلى هذا لا يبقى حينئذ دليل على امامة علي مطلقاً حتّى في المرتبة الرابعة.

    ويقول:

    وأحمد بن حنبل، مع أنه أعلم أهل زمانه بالحديث، احتج على إمامة علي بالحديث الذي في السنن: «تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة، ثم تصير مُلكاً» وبعض الناس ضعّف هذا الحديث، لكن أحمد وغيره يثبتونه(3) .
    يقول:

    ____________

    (1) منهاج السنّة 8 / 243.

    (2) منهاج السنّة 4 / 388.

    (3) منهاج السنّة 7 / 50.

    الصفحة 60
    وعلي يقاتل ليطاع ويتصرّف في النفوس والاموال، فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين(1) .
    نصّ العبارة بلا زيادة ونقيصة.

    حتّى أنّه يجعل عليّاً مصداقاً لقوله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَْرْضِ وَلاَ فَسَاداً والعَاقِبَةُ للمُتَّقِينَ)(2) .

    ثم يقول:

    فمن أراد العلوّ في الارض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الاخرة(3) .
    وعلي إنّما قاتل لانْ يكون له العلوّ في الارض، إنّه إنّما:

    قاتل ليطاع هو(4) .
    ثمّ يقول:

    والذين قاتلوا من الصحابة لم يأت أحد منهم بحجّة توجب القتال، لا من كتاب ولا من سنّة، بل

    ____________

    (1) منهاج السنّة 8 / 329.

    (2) القصص: 83.

    (3) منهاج السنّة 4 / 500.

    (4) منهاج السنّة 4 / 500.

    الصفحة 61
    أقرّوا بأنّ قتالهم كان رأياً رأوه، كما أخبر بذلك علي (رضي الله عنه) عن نفسه(1) .

    وأمّا قتال الجمل وصفّين، فقد ذكر علي (رضي الله عنه) أنّه لم يكن معه نصّ من النبي (صلى الله عليه وسلم)، وإنّما كان رأياً، وأكثر الصحابة لم يوافقوه على هذا القتال(2) .

    أن القتال كان قتال فتنة بتأويل، لم يكن من الجهاد الواجب ولا المستحب(3) .

    وقتل خلقاً كثيراً من المسلمين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون ويصلّون(4) .
    وقال طاعناً في الامام وهو يقصد الدفاع عن عثمان ـ حيث يقولون من جملة ما نقموا عليه إنّه كان يتصرف في بيت المال هو وبنو أُميّة ـ:

    وأين أخذ المال وارتفاع بعض الرجال، من قتال الرجال الذين قتلوابصفّين ولم يكن في ذلك عزّ ولا ظفر ؟… حرب صفّين التي لم يحصل بها إلاّ زيادة

    ____________

    (1) منهاج السنّة 1 / 526.

    (2) منهاج السنّة 6 / 333.

    (3) منهاج السنّة 7 / 57.

    (4) منهاج السنّة 6 / 356.

    الصفحة 62
    الشر وتضاعفه لم يحصل بها من المصلحة شيء(1) .

    ولهذا كان أئمّة السنّة كمالك وأحمد وغيرهما يقولون: إنّ قتاله للخوارج مأمور به، وأمّا قتال الجمل وصفّين فهو قتال فتنة.

    ولهذا كان علماء الامصار على أن القتال كان قتال فتنة وكان من قعد عنه أفضل ممن قاتل فيه(2) .
    وعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه)ندم على أمور فعلها من القتال وغيره… وكان يقول ليالي صفّين: لله درّ مقام قامه عبدالله بن عمر وسعد بن مالك، إن كان برّاً إنّ أجره لعظيم، وإن كان إثماً إنّ خطره ليسير(3) .
    والحال أنّ عبدالله بن عمر وسعد بن مالك يعني سعد بن أبي وقّاص كلاهما قد ندما على عدم بيعتهما مع علي وتخلَّفهما عن القتال معه في حروبه، والنصوص بذلك موجودة في المصادر.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 8 / 143.

    (2) منهاج السنّة 8 / 233.

    (3) منهاج السنّة 6 / 209.

    الصفحة 63
    يضيف إنّ عليّاً كان يقول لابنه الحسن (عليه السلام) في ليالي صفّين:

    يا حسن يا حسن ما ظنّ أبوك أنّ الامر يبلغ إلى هذا، ودّ أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة(1) .
    الاحاديث الصحيحة المتقنة في الكتب المعتبرة يكذّبها ويطالب فيها بسند صحيح، ثمّ يذكر مثل هذا ولا يذكر له أيّ سند، وأيّ مصدر، وغير معلوم من قال هذا ؟ ويرسله إرسال المسلّمات، يا حسن يا حسن ما ظنّ أبوك أنّ الامر يبلغ إلى هذا، ودّ أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة !!

    يقول:

    ولمّا رجع من صفّين تغيّر كلامه… وتواترت الاثار بكراهته الاحوال في آخر الامر(2) .

    وكان علي أحياناً يظهر فيه الندم والكراهة للقتال، ممّا يبيّن أنّه لم يكن عنده فيه شيء من الادلّة الشرعيّة(3) .

    ____________

    (1) منهاج السنّة 6 / 209.

    (2) منهاج السنّة 6 / 209.

    (3) منهاج السنّة 8 / 526.

    الصفحة 64
    وممّا يبيّن أنّ عليّاً لم يكن يعلم المستقبل، إنّه ندم على أشياء ممّا فعلها… وكان يقول ليالي صفّين: يا حسن يا حسن، ما ظنّ أبوك أنّ الامر يبلغ هذا، لله درّ مقام قامه سعد بن مالك وعبدالله بن عمر…(1) .
    هذا كرّره مرّة أخرى، وقال بعد ذلك:

    هذا رواه المصنّفون(2) .
    ومن المصنّفون ؟ غير معلوم.

    يقول:

    وتواتر عنه أنّه كان يتضجّر ويتململ من اختلاف رعيّته عليه، وأنّه ما كان يظنّ أنّ الامر يبلغ ما بلغ، وكان الحسن رأيه ترك القتال، وقد جاء النصّ الصحيح بتصويب الحسن… وسائر الاحاديث الصحيحة تدلّ على أنّ القعود عن القتال والامساك عن الفتنة كان أحبّ إلى الله ورسوله(3) .
    يقول: وأمّا حديث أُمرت بقتال الناكثين والقاسطين

    ____________

    (1) منهاج السنّة 8 / 145.

    (2) منهاج السنّة 8 / 145.

    (3) منهاج السنّة 8 / 145.

    الصفحة 65
    والمارقين، فهذا كذب.

    لابدّ وأن يكذّبه، لانّه يصرّ على أنّ عليّاً لم يكن عنده دليل شرعي على قتاله، فلابدّ وأن يكون هذا الحديث كذباً.

    نصّ العبارة:

    لم يرو علي (رضي الله عنه) في قتال الجمل وصفّين شيئاً… وأمّا قتال الجمل وصفّين فلم يرو أحد منهم فيه نصّاً إلاّ القاعدون، فإنّهم رووا الاحاديث في ترك القتال في الفتنة، وأمّا الحديث الذي يُروى أنّه أمر بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين، فهو حديث موضوع على النبي (صلى الله عليه وسلم)(1) .
    وهذا الحديث يرويه من الصحابة:

    1 ـ أبو أيّوب الانصاري.

    2 ـ أمير المؤمنين.

    3 ـ عبدالله بن مسعود.

    4 ـ أبو سعيد الخدري.

    5 ـ عمّار بن ياسر.

    وغيرهم.

    ____________

    (1) منهاج السنّة 6 / 112.

    الصفحة 66
    ومن الحفّاظ:

    1 ـ الطبري.

    2 ـ البزّار.

    3 ـ أبو يعلى.

    4 ـ ابن مردويه.

    5 ـ أبوالقاسم الطبراني.

    6 ـ الحاكم النيسابوري.

    7 ـ الخطيب البغدادي.

    8 ـ ابن عساكر.

    9 ـ ابن الاثير.

    10 ـ الجلال السيوطي.

    11 ـ ابن كثير.

    12 ـ المحب الطبري.

    13 ـ أبو بكر الهيثمي.

    14 ـ والمتقي الهندي.

    ومن أسانيده الصحيحة مارواه البزّار والطبراني في الاوسط، وترون النص على صحّته في مجمع الزوائد يقول بعد روايته: وأحد إسنادي البزّار رجاله رجال الصحيح، غير الربيع بن سعيد ووثّقه

    الصفحة 67
    ابن حبّان، وله أسانيد أُخرى صحيحة.

    الصفحة 68
    الصفحة 69

    افتراء ابن تيميّة على أمير المؤمنين (عليه السلام)

    وأمّا الاشياء التي نسبها إلى أمير المؤمنين، والاكاذيب التي هي في الحقيقة كذب عليه، في كلماته كثيرة، منها: إنّ عليّاً كان يقول مراراً: إنّ أبابكر وعمر أفضل منّي، وكان يفضّلهما على نفسه.

    يقول:

    حتى قال: لا يبلغني عن أحد أنّه فضّلني على أبي بكر وعمر إلاّ جلدته جلد المفتري(1) .
    هذا الشيء الذي نقله لم يذكر له مصدراً عن أمير المؤمنين، وأمير المؤمنين لم نسمع أنّه جلد أحداً من الصحابة لانّه فضّله على الشيخين، مع أنّ كثيرين من الصحابة كانوا في نفس الوقت وفي حياة أمير المؤمنين يفضّلون عليّاً على الشيخين بمسمع منه ومرأى.

    ____________

    (1) منهاج السنة 7 / 511.

    الصفحة 70
    إنّ ابن حزم في الفصل(1) ، وكذا ابن عبد البر في الاستيعاب(2) بترجمة أمير المؤمنين، هذان الحافظان الكبيران يذكران أسماء عدّة كبيرة من الصحابة كانوا يقولون بأفضليّة علي من الشيخين، ولم نسمع أنّ عليّاً جلد واحداً منهم.

    وأمّا هذا الخبر، فقد كفانا الدكتور محمّد رشاد سالم ـ الذي حقّق منهاج السنّة في طبعته الجديدة ـ مؤنة تحقيقه حيث قال: بأنّه ضعيف(3) .

    وكذب على علي وفاطمة الزهراء فزعم أنه روي:

    كما في الصحيح عن علي (رضي الله عنه)، قال: طرقني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفاطمة، فقال: «ألا تقومان تصليان ؟» فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا، قال: فولّى، وهو يقول:(وَكَانَ الاِْنسَانُ أَكثَرَ شَيء جَدَلاً)(4) .
    وكذب على أمير المؤمنين في قضيّة شرب الخمر(5) .

    ____________

    (1) الفصل في الملل والنحل 4 / 181.

    (2) الاستيعاب في معرفة الاصحاب 3 / 1090.

    (3) منهاج السنة 7 / 511، الهامش.

    (4) منهاج السنة 3 / 85، الاية سورة الكهف: 54.

    (5) منهاج السنة 7 / 237.

    hayefmajid
    Membre

    eh bien , on m’a toujours dit depuis que je suis devenu chiite que j’allais rencontrer des difficultés avec les autres afin de les convaincre, mais ce qu’on a oublié de me dire c’est qu’en vérité je ne peux pas discuter avec vous car j’essaie de parler avec mon cerveau mais je constate que c’est dans un sens.
    mais nchallah je continue à créer des sujets ou je montre que les wahabites sont en vérité des pédophiles et des animaux.

    sans roncune

    hayefmajid
    Membre

    abd, hahahahahahahahahaha

    maintenant al boukhari se trompe, alors je dois croire qui.
    si tu dis que le boukari se trompe alors excuse moi on ne doit prendre aucun hadith dedans.

    d’accord ?

    hayefmajid
    Membre

    OUJDI_PUR, hacharaka allahou maa saddam. 8)

    en réponse à : معنى التشيع #221786
    hayefmajid
    Membre

    frére mbarki,

    merci pour ce que tu nous as apporté comme hadith du kafi mais excuse moi de mettre les points sur les I.

    dans aucun des hadith n’est mentionné que le coran est faux ou mouzawar, c’est son intérprétation qui est fausse, et quand il dit que le rida a doné le livre qui contient les noms, ce n’est qu’un livre et pas le saint coran.

    avant d’avancer des choses il faut comprendre les hadiths mon frére.

    en réponse à : أقوال أهل العلم في الشيعة الروافض #221346
    hayefmajid
    Membre

    [
    IL YA DES CHIITES LA3NATOU ALLAHI 3ALAYHIM DISENT QUE JIBRIL S EST TROMPE !! AU LIEU DE REMMETTRE AL AMANA A ALI IL A REMIS A MOHAMMED ???

    WACH GOULLEK A WELD LAMHALA
    ]

    au lieu d’abboyer comme un ch…. apportes la preuve de ce que tu avances.

    en réponse à : قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً #221855
    hayefmajid
    Membre

    hafid, l’iran est le seul pays musulman qui dit exactement ce que toi tu n’oserai dire devant l’ennemi. au lieu de raconter des bêtises sur l’iran, soit un homme pour une fois dans ta vie et viens : on discute entre adulte. 😀

    en réponse à : شيء قليل من بدع الشيعة #219676
    hayefmajid
    Membre

    OUJDI_PUR, hafid, houlakou :

    à chaque fois j’essaie de vous parler comme des êtres humains , mais quand vous n’avez rien pour répondre, vous insultez ou vous dites des conneries.

    bon je vais essayer de vous l’expliquer autrement :

    MOI APPORTER A VOUS PREUVES DES SUNNITES.

    donc au lieu de dire que c’est des hadiths non sunnites, allez étudier un peu l’histoire des sunnites et puis aprés vous allez peut être comprendre. 8)

    en réponse à : الوهابية و الجنس #222036
    hayefmajid
    Membre

    manara, je sais ça donne envie de vomir.

    en réponse à : معنى التشيع #221782
    hayefmajid
    Membre

    mbarki,

    COMME VOUS FAITES DES EFFORTS POUR DECELER LES SOIT DISANT CONTRADICTIONS DANS LA SOUNNAH, SOYER OBJECTIF ET FAITES DE MÊME POUR LE CHIISME. ET JE VOUS DEMANDERAIS MÊME PAS DE LES EXPLIQUER.

    une question avant si tu veux bien :

    est ce que tu penses que dieu a un lieu ou des jambes ou des mains ou des yeux…… ????????

    hayefmajid
    Membre

    Ibn al arabi, tu ne réponds à ma question ?????????????
    ne me dis pas que tu t’avoues vaincu????? 😥

15 sujets de 316 à 330 (sur un total de 419)
SHARE

hayefmajid