Résultats de la recherche sur 'لا اله الا الله'
-
Résultats de la recherche
-
Sujet: أكذوبة حقوق الإنسان
عبد الله السهلي
لم يبلغ تسلّط وظلم الإنسان لأخيه الإنسان عبر التاريخ كله كما بلغ في زماننا هذا! وإن من المفارقات الغريبة التنادي لحماية حقوق الإنسان.. ممن؟!! إنه من الإنسان ذاته؛ فهو الخصم والضحية! فيك الخصام وأنت الخصم والحكمُ!!
وعلى الرغم من محاولات بعض الليبراليين تشريع الأنسنة! إلاّ أن مصطلح (الإنسانية) لم يعد يحمل بالضرورة معاني الرحمة والشفقة والتعاطف! بل قد نطلق الإنسانية ونعني بها القتل والحرب والدمار! وعلينا أن نبحث عن مصطلح آخر نعلّق عليه آمالنا! وبعيداً عن جدلية الأصل في الطبيعة البشرية فإن المتنبي قد حسم الموضوع بشكل واضح وصريح:
والظلمُ من شيم النفوسِ فإنْ تجدْ ذا عفةٍ فلِعلّةٍ لا يظلمُ!
وهذا بلا شك نتاج طبيعي لضعف جذوة الإيمان في النفوس أو اضمحلالها، وإن من المفارقات أن مصطلح (حقوق الإنسان) يُعدّ الآن من أكثر المصطلحات تداولاً في الوقت الذي يُعدّ عصرنا أكثر العصور انحطاطاً في مجال حقوق الإنسان! الأمر الذي يحتم علينا قراءة الأحداث والمصطلحات بعيداً عن صخب الآلة الإعلامية الغربية التي باتت تطحننا، وتلقي بنا في أتونها شئنا أم أبينا!!
إن الغرب وأمريكا على وجه الخصوص ترغمنا على التعاطي مع نسبية مصطلحاتها! بل نسبية عقليتها وبراجميتها ومكافيليتها ! وعلينا أن نراوح في فلك فكرها رغم أنوفنا!
إن القضية يمكن إجمالها في مؤداها الأخير أنها قضية قوي وضعيف، قوي يملي مصطلحاته ومضامينها، وضعيف يردّد ما يريد الأقوياء!
إن من الواجب علينا – مفكرين وساسة وحقوقيين- أكثر من أي وقت مضى الانعتاق من المنظومة الغربية لحقوق الإنسان؛ لأنها باختصار جاءت ردة فعلٍ لعقود من الصراع في أوروبا، صراع الإنسان مع الإنسان وصراع الإنسان مع الطبيعة، ولذا تجد فلسفة الصراع جزءاً من كينونة الغربي يجسدها بشكل صريح الفن والتمثيل، بل حتى الرسوم الكرتونية لديهم! هذه الثقافة ألقت بظلالها على عالمنا الإسلامي، ولذا قد تسمع من يقول: « إن الحقوق لا تُمنح بل تُنتزع انتزاعاً »، وهي عبارة تمثل بجلاء مجتمع الصراع، صراع الكل ضد الكل أو مجتمع الإيمان؛ فإن هناك ثنائية الحق والواجب في جوٍ من المسؤولية والمراقبة الذاتية التي لا يعرفها الغرب!
ولذا فإن من الأهمية بمكان معرفة الأسس والمنطلقات الفلسفية والفكرية للبنية العقلية للغرب، والتي تراوح بين الصراع والنفعية والتعاقدية وبطبيعة الحال استبعاد الإيمان وإقصائه، بل بمعنى أدق إلغاؤه من الحس الغربي تماماً، الإيمان الكفيل بإيقاد جذوة الخيرية داخل النفس البشرية.
وفي المقابل فإن المسلمين يملكون – على المستوى النظري والعقدي – منظومة حقوقية لا تضاهيها منظومة على وجه الأرض، وإن من الظلم الواضح محاكمة المسلمين في هذا من خلال أحوال العالم الإسلامي الذي هو نتاج سنوات وعقود من الظلم والاستعمار (وإن شئت أبدل العينَ حاءً) والتغريب والتسلط الغربي الممنهج، باختصار نتاج للمؤامرة التي يحاول البعض إلغاء نظريتها (بل مكر الليل والنهار) والتي يجب ألاّ تقعدنا عن العمل (الجانب السلبي لنظرية المؤامرة).
ومع الأسف فإن كثيراً من المحاولات المؤسسية والمؤتمرات في هذا المجال مجال حقوق الإنسان بما فيها مؤتمر القاهرة 1411هـ قد استبطنت النموذج الغربي بشكل أو بآخر ونظمت على منواله دون التنبه إلى الاختلاف الجذري في الأسس والمنطلقات، إن علينا أن نوضح للعالم بأسره منظومتنا القيمية الحقوقية بعيداً عن الهلامية، وبعيداً عن منهج التوفيق والتلفيق تحت ذرائع المشترك الإنساني أو غيره! وهذا الأمر يتطلب عملاً مؤسسياً وفريقاً بحثياً يضم بين جنبيه علماء الشريعة والفقه والحقوقيين والسياسية الشرعية وتخصصات أخرى. وعند ذاك لا بأس إن كان هناك قدر من المشترك الإنساني، وثمة فرقٌ بين أن نقول: نحن نشابهكم في أمور، وبين أن نقول هذه منظومتنا وأنتم تشابهوننا في أمور .
وهنا ملمح مهم وهو ضرورة التجرد والحيادية في عرض الإسلام، أو أياً من تشريعاته بعيداً عن الذات أو العادات الاجتماعية الصرفة، وعرضه للغرب كما هو مهما تناءت المسافة بينه وبين الفكرة الغربية الوضعية – وهذه الجزئية بالذات – هي عنصر التميز والجذب للغربي عكس ما يعتقده (هواة التلفيق) من أن تمييع القضايا والفكر الإسلامي حتى يكون ظلاً مشوهاً للفكر الغربي أنه عنصر جذبٍ لهم .
وبعد.
هل ما زلنا نصدق أكذوبة حقوق الإنسان!Sujet: المتصهينون العرب الجدد
دور المتصهينين العرب الجدد دور جديد مقارنة بالقدامى، وأنهم بالفعل يطرحون مشروعًا جديدًا. فإذا كان المتصهينون العرب القدامى يلعبون دورهم بصورة ‘متخفية’، ويمارسون التخريب المستتر من خلال طرح شعارات التعاون مع ‘حركات سلام داخل الكيان الصهيوني’، أو من خلال تخريب المقدرات الأساسية الداخلية للمجتمعات العربية والإسلامية على المستويات الاقتصادية أو السياسية إلخ، فإن المتصهينين العرب الجدد صاروا يطرحون مشروعًا صهيونيًا متكاملاً، كما صاروا يعملون جهارًا لخدمة الحركة الصهيونية وبلا مواربة، وكذا أن نشاطهم التخريبي لم يعد مقتصرًا على العمل المستتر أو المموه في السياسة كما كانوا في البداية حينما تبنوا مقولات تتحدث عن عدم موائمة العمليات الاستشهادية للمصلحة العربية، أو بالحديث عن عدم وجود توازن قوى يسمح بالعمل المسلح ..إلخ، بل باتوا يسفرون عن وجههم في الحركة والنشاط والكتابة، كما باتوا بشكل سافر يهاجمون الإسلام ويطعنون في العقيدة بشكل مباشر، وهي حالة جديدة وصلوا إليها بالعمل تحت الحماية المباشرة للجيش الأمريكي بعد احتلال العراق، وبسبب حالة ضعف أنظمة الحكم العربية والإسلامية.
كيف جرى وصفهم من قبل؟
واقع الحال أن هؤلاء قد جرى وصفهم بأوصاف متعددة ومتنوعة، فهناك من وصفهم ‘بأنهم الليبراليون المعدلون وراثيًا الذين تم إنتاجهم وتعديل أدمغتهم في مختبرات وزارة الدفاع الأمريكية’، وقيل إنهم ‘يقدمون نصائح مجانية لأمريكا وأنهم مبشرون بالإصلاح على الطريقة الأمريكية’، وقيل إنهم ‘أصحاب إيديولوجية تعتمد المخادعة واتباع نهج المغالطات التاريخية المراد ترسيخها في ذاكرة المتلقي’، وقيل إنهم ‘فئة نذرت نفسها لخدمة الشيطان ووصل الحد ببعض منهم أن يرقصوا ويشربوا الأنخاب على مشاهدة صواريخ توما هوك تنزل على عاصمة الرشيد ويشبهوا أصوات تلك الصواريخ بموسيقى بتهوفن’ وقيل إنهم ‘عدميون جدد ليس لديهم إطلاقًا سوى الهدم والتخريب الفكري والأيديولوجي وجلد الذات’ وقيل إنهم ‘مخبرون على كبر’ وإنهم ‘حفنة من العملاء’ وقيل إنهم ‘يشوشون ويشوهون جهود المثقفين العرب الوطنيين من ليبراليين وإسلاميين وديموقراطيين’ وإنهم ‘مثقفون أمريكيون من أصول عربية وإسلامية تحولوا إلى متعهدين لتسويق أفكار هي في جوهرها من إفراز اليمين المحافظ في الولايات المتحدة’ وقيل إنهم بمثابة ‘الواقي الذكري للاحتلال في العراق’ وإنهم ‘قوم انسلخوا من دينهم وأمتهم وحتى عروبتهم وأصبحوا مجرد طابور خامس للغازي الأمريكي، يروجون لمشروعه ويمهدون العقول له، ويدافعون عن جرائمه ـ خابوا وخسئوا ـ، وقيل إنهم ‘يشبهون الإيدز الفكري الذي يدمر جميع الثوابت الفكرية المناعية الصلبة في الفكر العربي تمهيدًا لإعادة تشكيلها في شكل ثقافة استسلام أو وعي انهزامي بائس حسبما يروم به هوى السيد الأمريكي الصهيو- أمريكي’، وقيل عنهم ‘أنهم أشد خطرًا على الأمة من أعدائها’، وأنهم كالجنود المرتزقة الذين يعملون ضمن اتفاقيات وعقود مبرمة مع الطرف الأمريكي والإسرائيلي وبعض القوى الدولية – دولية وعربية وإقليمية – والتي تتماشى مع المشروع الأمريكي، لذا فإن همهم الأكبر هو الكسب المادي والوظيفي، وبمعنى آخر فالليبرالي الجديد والذي انغمس في المشروع الأمريكي والإسرائيلي هو كالأجير المؤقت لدى أي مؤسسة حكومية أو أهلية’.ما هو دورهم تحديدًا؟
من يتابع كتابات المتصهينين العرب الجدد، يجدهم وبشكل مباشر يوجهون أقلامهم تجاه القضايا التالية:أولاً: الطعن في الإسلام عقيدة وفقهًا وحضارة وتاريخًا، سواء كان ذلك بشكل مباشر بالقول إن لا مقدس لا يمكن التفكير فيه بمنطق الصح والخطأ وأن النص القرآني يجوز التعامل معه كنص تاريخي – والعياذ بالله – أو كان ذلك بشكل غير مباشر عند بعضهم بالالتفاف حول التفسيرات، أو بالهجوم على كل تفسير صحيح للإسلام وبشكل خاص للآيات القرآنية التي تتعلق بالجهاد أو بالمواريث أو بتعدد الزوجات أو بقوامة الرجل على المرأة… إلخ.
ثانيًا: الطعن في فكرة أننا أمة واحدة سواء على مستوى الفهم الإسلامي أو حتى على مستوى الفهم القومي، واتهام كل مدافع عن فكرة الأمة، بأنه عنصري وفاشي ووهابي وإرهابي يحمل دعوة عنصرية ضد المجموعات البشرية الأخرى داخل الدول العربية – الأكراد والبربر أو الأفارقة – أو أنه يحمل دعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين ..إلخ.
ثالثًا: التبشير بنهاية الوطن والوطنية، وأن الوطن لم يعد سوى مساحة جغرافية من الأرض وأن المواطنين لم يعد يجعهم سوى بعض الخصوصيات المتآكلة الآن بفعل العولمة وترويج ما يسمونه الآن ‘بالثقافة العالمية’ التي يزعمون أنها باتت تحل تدريجيًا محل الثقافة المحلية أو الوطنية، سواء كان ذلك انطلاقًا من فكرة زوال الحدود وسيادة العولمة أو كان ذلك حسب مفاهيم انتهاء الدولة القومية.
رابعًا: الدعوة بكثافة إلى كل ما يثير الاضطراب داخل المجتمعات الإسلامية والعربية – بتأليب الأعراق والأقليات ضد الأغلبية –، وداخل كيان الأسرة – حقوق المرأة من وجهة النظر العلمانية -، والدفع بالحوار الفكري إلى قضايا تغيير العقيدة – حرية الفكر بالمعنى اللاديني للتفكير-..إلخ
هذا عن ما يطرحونه أما أهدافهم فالفكرة المبسطة والأولية هي أنهم يؤدون دورًا يعجز عنه الأعداء، أو هم بالدقة يقومون بالدور الذي يعجز عنه أعداء الأمة بقواتهم العسكرية وبشكل أكثر دقة، فهم يقومون بالدور الذي يكمل مهمة الغزو العسكري، حيث الحروب لا تنجح أبدًا في تحقيق نتائجها إذا اقتصرت على العمل العسكري – بل حتى العمل العسكري لا يتم دون حرب نفسية – إذ أن العمل العسكري في حد ذاته لا ينجم عنه إلا هزيمة القوة العسكرية للبلد الذي تجري مهاجمته أو يجري العدوان ضده، وهو أمر لا ينجم عنه هزيمة لإرادة المجتمع.
ولذلك هم يركزون هجومهم على المقومات الصلبة لبناء الإنسان من عقيدة وفكر، وكذلك يوجهون هجومهم ضد كل الحركات الجهادية في الأمة. فمن يتابع كتابات هؤلاء المتصهينين العرب الجدد يلحظ أنهم دأبوا وباستمرار على الهجوم العنيف على المقاومة الجهادية المسلحة في فلسطين والعراق وأفغانستان حتى وصل الأمر بأحدهم – كمال غبريال – إلى القول بأن الشعب الفلسطيني سيهزم في النهاية ‘الإرهابيين’ في فلسطين، وأن الشعب الفلسطيني سينتصر على أمراء الموت وسيمد أيديه بالسلام إلى جيرانه بدلاً من الأحزمة الناسفة’.
وهم كذلك يصفون المقاومة العراقية بالإرهاب ويعتبرون أن المعركة الجارية في العراق ليست معركة ضد الاحتلال، وإنما معركة بين الشعب العراقي والإرهابيين، ومن ثم فهم يقومون بدور أخطر من هؤلاء الذين يقومون بدور الطابور الخامس خلف خطوط الدفاع في الأمة أو بدور الحرب النفسية والتيئيس لعوامل النهوض والمقاومة أو بدور المروجين للاستسلام للأعداء، حيث إنهم يضربون في صميم عقيدة الأمة وملامح هوية الأمة على جميع الصعد؛ لجعل الإنسان العربي المسلم مجرد إنسان بلا هوية، يسهل تشكيل عقله على هوى المحتل، وذلك هو ما دفع الكثيرين للربط بينهم وبين المحافظين الأمريكيين الجدد الذين يستهدفون فرض القيم الأمريكية على المجتمعات العربية والإسلامية.
وكذلك إذا كان الأخطر على الحركة الصهيونية الآن هو المقاومة الجهادية المرتكنة إلى الإسلام عقيدة ومنهجًا، فإن هؤلاء وجهوا فوهات هجومهم ضد هذه الحركات الجهادية تحديدًا، وأيضًا هم يدعون إلى مسالمة الأعداء في فلسطين والعراق، ويرون أن الاحتلال شرعي وأن معركة الشعوب هي مع الحركات الجهادية لا مع الاحتلال
عدم تسيس المهاجرين من أسباب سقوطهم يعتبر عدم تسيس “الشباب المغربي من الدوافع الرئيسة في إصابتهم بوباء التشريق المتأسلم، وهنا تكمن أهمية الانخراط السياسي الوطني، الذي يمنح للمواطن رؤية شمولية يتسلح بها لمواجهة كل الطوارئ، خصوصا خارج الوطن، إذا وقع أن دارت به دوائر التشريقيين المتأسلمين، والمقصود بالرؤية السياسية الوطنية التي يفتقدها شبابنا هي امتلاك نظرة موجزة عن التاريخ الحضاري للمغرب وعن حقبه الحديثة والمعاصرة، وافتقادهم لتصور سياسي يشرح أبعاد وأطراف الصراع الدولي وماهيته، وجهلهم بذلك يعود لمعاداتهم الاحزاب السياسية والنقابات والفكر السياسي التقدمي، وما يؤكد ذلك هو أن المهربين الدينيين يروجون خطابا سبق لي أن اصطدمت به مرارا ، حينما يقولون: “أنه لا وجود لعلماء في المغرب، ولذلك يجب أن نلجأ إلى مشايخ الشرق كالقرضاوي والبوطي…”، كما أنه لم يسبق للمغرب أن أفرز علماء دينيين في مستوى علماء المشرق”، والحقيقة أن هذا الإنكار الذي روج له المهربون الدينيون يعود لسببين: الأول: جهل هؤلاء بعلماء المغرب، نظرا لعدم إيمانهم واقتناعهم بأن لهذا الوطن هويته المستقلة عن المشرق، وأن وحدة العقيدة لا يعني أن يكون المغرب ذيلا للمشرق. ويعود ذلك أيضا لغذائهم الدائم بكراسات المشرق ودولاراته، وهو ما جعلهم يجهلون تراث هذا البلد وبصمات علمائه، ولا أدل على ذلك ما أثير مؤخرا حول فتوى القرضاوي التي هلل لها المهربون الدينيون، رغم إساءته فيها للمغرب والمغاربة، في الوقت الذي كان المرحوم مولاي العربي العلوي قد أفتى منذ أربعين سنة بفتوى تجيز الاقتراض الربوي عند الاقتضاء الاضطراري. أما السبب الثاني فهو مكمل للأول، ومفاده أن هذا الجهل لم يكن عن حسن نية إنما كان بسبق الإصرار والترصد، لأن الرعيل الأول من العلماء الدينيين المغاربة لم يناصروا تلك الهرطقات التشريقية، ولأنهم ركزوا على المغربة والتصدي للسلفية التي سبق لحزب الاستقلال إدخالها، ولذلك تم تجاهلهم والإعراض عنهم، وعدم التعريف بهم لدى ناشئتهم ومستقطبيهم، وفي ندواتهم، وهو موقف مشابه للمهربين الدينيين في تونس الذين عادوا وأعرضوا عن علم من أعلام شمال إفريقيا في الفقه والتفسير وهو العلامة “ابن عاشور”، لأنه تصدى رفقة علماء الزيتونة للمهربين الدينيين هناك، وهو ما لمسناه ومازلنا نلمسه مع العلماء الصديقين (سيدي عبد العزيز، سيدي عبد الله، وسيدي أحمد) الذين أحرجوا علماء الأزهر بعلمهم وبمغربيتهم، وواجهوا الوهابية أشد مواجهة، كما أنهم في الآن ذاته لم يطبلوا للتهريب الديني، فهل رأيتم المهربين الدينيين في الداخل أو في الخارج كتبوا عنهم أو تحدثوا عنهم أو أقاموا ندوات تكريمية لهم، أو لقنوا اتباعهم اجتهاداتهم وكتبهم؟ ! والأدهى من ذلك هو أنه في الوقت الذي حضر فيه وفد من حزب الاتحاد الاشتراكي في جنازة المرحوم سيدي عبد العزيز بن الصديق، غاب المهربون الدينيون، لأن الجنازة تزامنت مع الحملة الانتخابية التي تهافت عليها المهربون في طنجة، كما أن الإعراض عن علماء المغرب يعود أيضا لارتباطهم الوثيق بالزوايا الصوفية المغربية التي تعتبر الطابع الرئيس للإسلام المغربي، وهذا الارتباط لا يخدم المهربين الدينيين من ذوي الأفواه والقلوب السلفية. هكذا يقف البعض وبكل وقاحة قائلين أنه لا وجود لعلماء مغاربة في العلوم الشرعية، ضاربين عرض الحائط علماء المغرب من أمثال العلامة الورياغلي، والعلامة محمد يسف إمام السيرة المغربي، والعلامة التاويل، والعلامة الغازي الحسيني والعلامة الصقلي، فضلا عن عشرات العلماء السوسيين من الكرســيفيين وعلماء جبالة والصحراء والريف، إضافة إلى نمط آخـر من العلماء المعاصرين الذين جمعوا بين الشريعة والقانون، ويقف على رأسهم الأستاذ العميد الدكتور أحمد الخمليشي والذي يحتاج إلى تكريم وطني خاص. ولا يعد هذا التجاهل مسؤولية المهربين الدينيين فحسب، بل هناك مسؤولية الدولة، أيضا، فأين التعريف بهؤلاء العلماء في الكتب المدرسية؟ وفي البرامج الدينية؟ وفي الأجهزة الإعــلامية؟ وفي الندوات الجامعية؟ وفي مؤســسات البحث والتكوين؟ وقد سبق أن أكد وزير الأوقاف السابق مسؤولية وزارة الداخلية عن ترويج الوهابية في الوطن وخارجه وسط المغاربة، لمحاربة الإسلام المغربي ولمحاربة اليسار المغربي، مع أن المدغري نفسه لم يكن بريئا، فقد كان أول من نصب المهربين الدينيين على رأس عدد من المجالس العلمية، وفي عهده فرخت دار الحديث الحسنية رتلا من المهربين الوهابيين كمؤطرين دينيين في الداخل والخارج، وكأساتذة جامعيين في الشريعة وشعب الدراسات الإسلامية، كما أنه كان أول من أشرف على تنظيم ما سمى حينها “بالجامعة الصيفية للصحوة الإسلامية”، والتي استدعى لها المهربين الدينيين وقدمهم للملك الراحل، زيادة على أقطاب السياسة المتأسلمة من قبيل راشد الغنوشي وغيره، كما كان أول من استدعى للدروس الحسنية أقطاب التشريق الديني من قبيل عبد الصبور شاهين، والقرضاوي، وغيرهم، كما كان أول من سرب مدونة الأسرة من مجلس الحكومة للمهربين الدينيين وأججهم ضد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية بدعوى أنها تفسيخية وتهدد الإسلام والأسرة… كما قام باستدعاء محمد بشاري رئيس فيدرالية مسلمي فرنسا، وهو من حصاد التهريب الديني أيضا وسط المهاجرين المغاربة في فرنسا، فكانت النتيجة التي تعاون عليها المدغري في وزارة الأوقاف والمهربون الدينيون، هي طمس الهوية الدينية المغربية من الرؤية والممارسة السياسية للوطن عند شبابنا المرفوق بخطاب سياسي يعادي الأحزاب السياسية ويكفر الديمقراطية والحداثة والتعددية، وقد سهل هذا الطمس ووطأ لإصابة شبابنا في الوطن والمهجر بوباء التشريق، هذا عن الشطر الأول في دافع عدم تسيس مهاجرينا المؤدي حتما إلى الإصابة بوباء التشريق، أما الشطر الثاني من مفهوم التسيس الغائب عند ضحايا التشريق، فهو عدم امتلاك رؤية سياسية مستقبلية عن الوطن، وهذه الرؤية السياسية المستقبلية للوطن لا تأتي من فراغ، إنما تأتي نتيجة بناء فكري وتنظيمي وتأطيري كلقاح مضاد لخطر التشريق، ولا أدل على ذلك أن الطلبة والأساتذة والفقهاء المغاربة الذين يهاجرون خارج الوطن وهم مسلحون بهذه الرؤية السياسية، وبالتأطير السياسي الوطني، لايمكنهم أن يصابوا بذلك الوباء، وهو ما ترجمه الدكتور عبد الله العروي بجلاء في روايته أوراق، ولهذا نلاحظ أن ثلاث فئات من المهاجرين المغاربة قد تصدت لهذا الوباء ولم تصب به.
الفئة الأولى: الجيل الأول من المهاجرين الذين عايشوا فترات المقاومة وجيش التحرير، وذهبوا متشبعين بجذور الهوية، بقوا على حالهم وبطابعهم المغربي، مع العلم أن بعضهم قضى أربعين سنة وسط جراثيم التشريق المتأسلم، إضافة إلى تشبعهم بمبادئ الإسلام المغربي الذي تلقوه في المسيد على يد فقهاء مغاربة جنسية وهوية، وحتى الذين كانوا أميين ولم يدرسوا لم يصبهم هذا الوباء، لأن الأميين كانت الزوايا هي التي تتكفل بمدهم برؤى الإسلام المغربي المضاد للتشريق، وهذه ظاهرة لا تقتصر على الرعيل الأول من المهاجرين فحسب، بل تمتد إلى الشباب المهاجرين المعاصرين المرتبطين بالزوايا، حيث لا يتم اختراق هؤلاء أو سقوطهم في مصيدة التشريق المتأسلم.
الفئة الثانية: وتشمل الطلبة والأساتذة التقدميين والحداثيين الذين سبق لهم أن مارسوا العمل السياسي أو النقابي أو الجمعوي داخل الوطن، إذ بهذه الممارسة يكونون قد تسلحوا بآليات الخطاب السياسي التي يستطيعون بها فضح الأساليب الماكرة التي يوظفها صيادو التشريق المتأسلم، كما أن النقاش الفلسفي والاقتصادي والاجتماعي وتسلحهم بفكر حقوق الإنسان والعدالة والمساواة والحرية وحقوق المرأة وحوار الحضارات والثقافات يتعارض جذريا مع آليات التبشير والترهيب والمؤامرة والاستعداء وصكوك التوبة، التي يحركها رواد التشريق، ولهذا فإنهم يختارون ضحاياهم من اللامسيسين بدقة ويتحاشون هؤلاء المثقفين الحداثيين.
الفئة الثالثة: وتمثلها الحركة الثقافية الأمازيغية المغربية في بلاد المهجر التي تبني مشروعيتها وخطابها وحركتها على أساس الهوية الأمازيغية المغايرة لهوية المشرق في التاريخ والجغرافيا والأدب واللغة والاجتماع والفنون ومظاهر التدين، وقد تبين لي في دراسة سابقة عن المهاجرين الريفيين في هولندا وبلجيكا وألمانيا أن مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية في المهجر هم الناجون من الوباء التشريقي، وهم المتصدون له، وهم المؤطرون الفعليون لمهاجرينا بناء على هوية وطنية واضحة وجلية، مع العلم، وللأسف أنها خارج التغطية الحكومية واهتماماتها وأنها تعاني من التهميش في الداخل والخارج، وأنها متهمة بالعنصرية، وكأنه كتب علينا باسم التسامح والعروبة والإسلام المشرقي أن نرى أبناءنا في المهجر يسقطون ضحايا الوباء التشريقي، ونحن صامتون حتى لانتهم بالعنصرية أو العرقية، ومع كل الجهود التي تقوم بها الحركة الأمازيغية في التصدي لخطر التشريق فإنها مازالت بحاجة لتجديد الهياكل، وتفعيل التواصل فيما بينها داخل دول المهجر وبين الحركة الأمازيغية داخل الوطن، كما أنها مطالبة أيضا بعدم إغفال التأطير الديني من جداول أعمالها حتى لا تتركه لصيادي التشريق وزملائهم من المهربين الدينيين. ورغم المجهودات التي تقوم بها الفئات الثلاث في التصدي لخطر التشريق، فإن النتائج تبقى متواضعة، وذلك للقطيعة فيما بينها، وعدم تحديدها استراتيجية واضحة للعمل، وهو ما تستغله فيالق الوباء التشريقي، التي لم تكتفي بدفع المغاربة إلى السجون الأوربية بعد تنفيذها جرائم إرهابية، بل أصبحت ترسلهم إلى العراق لتفجيرهم، إذكاء للصراع الطائفي الذي تريده أمريكا، وقد تبين ذلك في محاضر استنطاق الأشخاص وإرسالهم للعراق، ومن ضحاياهم محمد أفلاح الذي يعتقد انه قضى في عملية العراق، والأخطر من ذلك هو أن هذه الجهات لم تكتف بأبناء المهاجرين بل أصبحت انطلاقا من إسبانيا تعمل على تحديد ضحاياها من ارض الوطن، وهو ما بين أن هؤلاء لا يشتغلون بدون مهربين دينيين من داخل الوطن، وإلا كيف يمكن تفسير تجنيد أربعة شباب من تطوان ومن حي واحد (حي جامع المزواق) ليفجروا أنفسهم في العراق، ونذكر منهم عبد المنعم العمراني، وزميله منصف بنمسعود، (21 سنة). هل شحت الموارد البشرية الشرقية إلى هذا الحد؟ ولها من الأقدمية في تاريخ هذا الوباء ما يفوق ثمانين سنة، حتى تلتجئ إلى تهريب وإسقاط شباب مغاربة يبلغون عشرين سنة من العمر؟ أين هي “ألوية صلاح الدين”؟ وأين هي “قوى البعث” ؟وأين هي “ألوية الجهاد”؟!! الحاملة لعشرات الأسماء الشرقية؟ وأين هي “الطلائع الإسلامية المقاتلة”؟ إن اللجوء إلى هؤلاء المغاربة لاستعمالهم دخانا في معاركهم لأمر مخيف حقا !! يحتاج لاستنفار استعجالي !! بل إننا نستغرب لهذا الصمت الذي تواجه به؟
خطر التغريب على الجالية المغربية ومظاهره: لا يحمل معنى التغريب الذي نرى فيه خطرا على هوية المغربة لدى مواطنينا في الخارج المعنى نفسه الذي يحركه المهربون الدينيون وحلفاؤهم من القوميين، الذين ما فتئوا يتهجمون على الغرب ويصفونه بأقذع السباب والشتائم، في الوقت الذي أصبح فيه كثير من منظريهم ينعمون بحماية هذا الغرب، ويأكلون من الإعانة الاجتماعية، لأنهم اعتادوا أكل اللقمة السائغة والباردة مجانا، إننا نعتبر أن كل إنجازات الحداثة المعاصرة هي من إنجاز علماء الغرب، بل إننا نعتبر أن الاستعمار الغربي- رغم كل جرائمه في حقنا- أدخل الحداثة إلى بلادنا بدخول جيوشه، ونحن في استفادتنا من هذه الحداثة والحضارة الغربية التي بلغت أرقى مدارجها في أمريكا لا نسعى إلى أن نصل إلى مستواها، أو أن نكرر نسختها في بلادنا، وهو ما عبر عنه الدكتور”فرانز فانون”: “نحن لا نريد أن نبني من العالم الثالث أوربا ثانية،إن تجربة أمريكا تكفي…” وإننا لندد باستمرار بالذين يدعون الله لتدميرها والإطاحة بها، لأن الإطاحة بها هي إطاحة بتطور المدنية والتقدم والحضارة. وإذا كنا نكن كل هذا الحب للغرب بما فيه أمريكا، فلماذا إثارة هذا المشكل مع التغريب؟ ولماذا استشعار الخطر منه؟ وأين هي المشكلة؟ وما المقصود بخطر التغريب على مهاجرينا؟ إن ما نقصده بالتغريب، هو أن حركة الحداثة الغربية بالقدر الذي تمضي فيه سريعة في مسار الرقي والتطور تعاني هي ذاتها من بعض الآفات والأمراض، والمشكل هو أن كثيرا من مهاجرينا –مع كامل الاستغراب- لا يأخذون من وجودهم في الغرب إلا هذه الأمراض، التي يظنون أن التزود بها هو ما يمنحهم الهوية الغربية. فالملاحظ أن أبناء الجيل الثاني والثالث من أبناء مهاجرينا قد أصبحوا ينظرون إلى وطننا ووطنهم هذا بكثير من السخرية والاحتقار، بل إن بعضهم أصبح يرفض حتى زيارة البلد وزيارة أهله معتبرا هذا الوطن وأهله وهويته ولغته وعاداته وعلاقاته وأعرافه، ما هي إلا أعشاش من التخلف والهمجية، بل إننا نلاحظ أن أبناء المهاجرين وهم صغار حتى إن جاؤوا إلى البلد رفقة عائلاتهم، فإنهم يأتون مجبرين ومتأففين، ومستعجلين ساعة العودة إلى المهجر الذي أصبحوا يعتبرونه موطنهم الحقيقي، وقد صور الشعراء الأمازيغيون الريفيون هذا الوضع تصويرا دقيقا في أشعارهم حول أبناء المهاجرين الريفيين، وخصوصا في هولندا وبلجيكا وألمانيا… وما يستغرب له أن أبناء المهربين الدينيين أنفسهم هؤلاء الذين يأكلون ويشربون من الاشتغال في الدعوة والتبليغ، أبناؤهم أصبحوا من ضحايا التغريب، لأن المهرب الديني لم يعد يملك الوقت ليجلس في بيته وسط عائلته وأبنائه، إنه طائر في رحاب السياحة الإسلامية المجانية. إن ما يستغرب له حقا في إصابة أبناء مهاجرينا بوباء التغريب، هو أنه حينما كنا ننتظر من أبناء مهاجرينا الذين وفر لهم آباؤهم وسائل العيش في أرض العلم والحداثة والجامعات العريقة، والديموقراطية وحقوق الإنسان والمساواة أن يعودوا بفائدة على الوطن إذا بهم يتحولون إلى متسكعين هناك وبائعي الكوكايين وحتى من استطاع منهم أن يدرس بعض الشيء وأن يكتب، يؤلف رواية، ويأتي ليقول لنا في حواره الصحفي: «أنا مكتاب علي باش نكون مثلي Homosexuel» !! أهذه هي النتيجة التي كان ينتظرها هذا الوطن؟ أو أن تظهر النساء المغربيات المهاجرات في «فيترينات» وقنوات «البورنو»؟ ! ولا يجب أن يفهم من كلامي هذا أن الدعارة واللواط هي نتاج خطر التغريب. إن ظاهرة الدعارة واللواط قديمة في المغرب حتى عندما كانت الإمبراطورية المغربية، في العهدين المرابطي والموحدي وقبلها، ومن قرأ «طوق الحمامة» سوف يقرأ ما كتبه ابن حزم عن الحاجات الخمس اللائي رافقنه في السفينة إيابا من الحج، وتلبسن بأحد البحارة الذي مارس اشتغاله الجنسي عليهن (بخمسة)، بدون أن يراعي لا هو ولا هن حرمة المكان المقدس الآتين منه!! مع أن ماء زمزم كان لا يزال يجري في بطونهن وأمعائهن، وهذا مثال بسيط على قدم الدعارة في بلدنا، ولسنا طهورين حتى نلصق ذلك بالغرب، بل إن الصحافة الوطنية ما فتئت تكتب عن جرائم جنسية في حق الأطفال والنساء، أبطالها أئمة مساجد ومهربون دينيون لم تسبق أقدامهم أن وطئت بلاد الغرب، ولكن خطورة هذه المشكلة وعلاقتها بوباء التغريب هي أن تتحول الدعارة واللواط من ممارسة شهوانية عادية ومتكتمة إلى سوق تجارية لها آليات إنتاجها، ولها مكاتبها ولها هواتفها وفاكساتها، ولها محلاتها وفيتريناتها، ولها جمعياتها المدنية، ولها إبداعاتها الروائية والسينمائية، حتى يغدو من ينخرط في هذا المسار من أبنائها متقدما وحداثيا وحقوقيا، أما من يدين ذلك ويستنكر فهو معقد وبدائي وسيكوباتي!! يقع هذا في الوقت الذي كنا ننتظر فيه أن يكون أبناء مهاجرينا هؤلاء مدخلا لتحديث الوطن، وجسرا حداثيا وحضاريا وثقافيا وفلسفيا وسياسيا بين الهوية الغربية وهوية هذا الوطن، ونحن لا نلوم الجيل الأول من المهاجرين، الذين دمرت أجسامهم نفايات مناجم أوربا في انطلاقاتها الاقتصادية وفي معاملها، الذين قدموا الكثير لهذا الوطن ولهذه الهوية رغم أميتهم وغربتهم ومعاناتهم النفسية والصحية والمالية، ولا ندري لماذا لا يقتدي بعض المغاربة بأولئك الشاميين من لبنانيين وسوريين الذين هاجروا إلى أمريكا الشمالية واللاتينية وشكلوا فعاليات سياسية وعلمية هناك، فكان الكثير منهم –ومايزال- مدخلا لتحديث بلادهم وعائلاتهم مع المحافظة على هوياتهم ونفع بلدانهم،لكن اقتداء المغاربة بهؤلاء لا يتركز مع الأسف، إلا على مهربيهم الدينيين من ناقلي وباء التشريق، ويتركز أيضا في اتجاه آخر على راقصاتهم ومغنياتهم وأفلامهم الغرامية. ليس من اللبنانيين فقط، بل هناك الأكراد أيضا، الذين رغم كل ما يعانونه من فقدانهم لدولتهم الكبرى التي تم توزيعها وعيشهم الطويل في الغرب، إلا أنهم ما يزالون متشبثين بهويتهم الكردية على مستوى اللغة والتقاليد والثقافة والتاريخ والنضال الحقوقي والسياسي من أجل قضيتهم، وهو ما ينطبق أيضا على الأتراك والهنود. ويا للمصيبة لقد اتفق وجها الوباء بتشريقه وتغريبه على غصب أبنائنا وبناتنا في المهجر، ذلك أنه حتى وإن ينعت بعض رؤوس مهاجرينا وبرزت كإطار وكفاءة في ميدان ما، يتم قطافها وتوظيفها لفائدة هويات مغايرة ولفائدة أوطان أخرى، ذلك أننا نسعد حينما نسمع عن وزراء مغاربة في حكومات أوربية، مع أنه يتم في الغالب تصريف أصوات المهاجرين المغاربة في الانتخابات الأوربية للتشريقيين تحت لافتة «الأخوة الإسلامية» وبدعم من المهربين الدينيين من ذوي الجنسية المغربية (بلا هوية)، كما أننا نسعد حينما نسمع ببروز كفاءات علمية مغربية في المهجر، كما أننا نفرح حينما نشاهد صحفيين مغاربة بارزين في قنوات عالمية، ومنهم العاملون بقناة «الجزيرة»، لكنهم يخدمون من؟ التشريق والتغريب بالطبع، والوطن الذي ربى والهوية التي غدت ومنحت الوجود، جوابهما: «الله يسهل»، «ما عندي ما نديرليك»، «دبر على راسك»…
بقلم: الحسين الإدريسي(*)
محمد بولوز
ما يرشح من أنباء، وما يروج من كلام حول خطط في جهة ما من دوائر القرار تهم اللغة العربية والمؤسسات الرسمية لتخريج العلماء، يبعث على الخوف الطبيعي الذي يتملك الإنسان، عندما يُستهدف في كيانه وذاته ووجوده، ويزداد الخوف عندما يدخل الأجنبي والغريب على الخط، بشكل سافر وواضح جلي، بعد أن ظل ولزمن طويل يكتفي بالعمل في الكواليس، وإعطاء الإشارات وإطلاق التلميحات.
فلم نعهد في المغرب – على الأقل في زمن « الاستقلال » – أن يحشر العلماء وجهًا لوجه، مع أجنبي من العالم الغربي، يعلمهم ويملي عليهم ما يفعلونه في مجال اختصاصهم ومهامهم، وكيف يعلمون الناس أمر دينهم، فضلاً عن أن يكون أمريكيًا يحمل – شاء أم أبى – لوثة من أوزار قومه الذين يتحدث باسمهم، وهم من علوا في الأرض وطغوا فيها وتجبروا، وشربوا حتى الثمالة من دماء المسلمين وخربوا ديارهم وفككوا أوطانهم، وساندوا عدوهم الغاصب لأرض الإسراء والمعراج، والأغرب فيما يحكى أن يأتيهم برفقة أمريكي آخر مرتد عن دينه، خرج فيما زعموا من الإسلام إلى النصرانية، وكأن الخبير الأمريكي يقول لعلمائنا « الأماجد »: ها هو المقصد والنموذج، إن أنتم أحسنتم الاستماع، وأخلصتم في اتباع التعاليم، وأبدعتم في مناهج تخرجكم من المطلق إلى النسبي، ومن المتعالي إلى التاريخي، ومن الاكتفاء بمخاطبة ذواتكم إلى العالمية ومحاورة مختلف الأديان بما سيكون معكم من مناهج « علمية » ولغات قديمة من لاتينية وعبرية.
جاءهم يحمل تصورًا واضحًا في ذهنه وحده، وربما بوضوح أقل منه في ذهن مطاياه من بني جلدتنا، وحافظ عليه في مسودته الإنجليزية ووزع عليهم فقط ما يتعلق بالعمل والإجراءات التي تهم « التجديد » المناسب للانخراط في الزمن الأمريكي، وما هو واجب الاتباع في تغيير مناهج التعليم الديني. لتخريج قوم آخرين لا يميزون بين دين ودين وربما يستوي لديهم: دير رهبان وبيت أوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن.
فإذا اجتمع لديك هذا البلاء، مع ما تستهدف به المواد الحاملة لعناصر الهوية في مواد التاريخ والعربية والتربية الإسلامية، وتحجيم شُعب الدراسات الإسلامية، وتقليص وحدات البحث فيها إلى ثلاثة ضمن ما يفوق ثلاثمائة وحدة في مختلف الشعب، وأخبار تصفية جامعة القرويين أعرق جامعات الدنيا، وتفكيك أوصالها، والسير قدمًا نحو « علمنة » دار الحديث الحسنية.. عرفت بذلك، مقدار الطعنة التي تسدد لفؤاد الأمة المغربية، وقلبها النابض الذي هو دينها كما تلقته من كتاب ربها وسنة نبيها وفهم سلف الأمة وإجماعها.. وطعنة أخرى لا تقل إيلامًا، تستهدف قطع لسانها، والكيد للغتها العربية، ووعاء هويتها، ولسان وحيها، وحاملة تاريخها وأمجادها، والضامنة لتواصل أجيالها وتواصيهم بالمبادئ المشتركة عبر الزمن المغربي الممتد إلى عهد طارق والمولى إدريس ويوسف بن تاشفين وغيرهم من السلف الصالح للمغاربة، ويتجلى الكيد في تعطيل مقترحات النهوض بها، وإيقاف مسلسل التعريب، وتعطيل منشور الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي الخاص بالعربية في الإدارة المغربية.. وإعلاء شأن اللغة الفرنسية، والمناداة باعتماد العامية واعتماد النشرات الإخبارية بها ومواد إعلامية أخرى.
وهكذا نجد الكذب الصريح على الناس وعموم الشعب، فقد قبلت النخبة التي أشرفت على ميثاق التربية والتكوين بتوافق بين مجمل أطرافها، على ما جاء فيه باعتباره حزمة متكاملة، إذا لم يجد فيه كل طرف جميع ما كان يطمح إليه، واعتبر نفسه قد تنازل على جملة من ملاحظات، فعلى الأقل بقي لديه أمل في تنفيذ الحد الأدنى من مطالبه.
غير أن من تولوا التنفيذ تعاملوا بانتقائية عجيبة، ينفذون بحماس ما يروقهم باسم مشروعية الميثاق، ويعرضون ويعطلون ما لا يروقهم باسم « أن الميثاق ليس مقدسًا، ولا كتابًا منزلاً », وإذا رجعنا إلى وضعية اللغة العربية، وجدنا هذه الوثيقة الوطنية قد تكلمت بكلام معسول في الديباجة، وأفردتها بدعامة خاصة، وحددت تاريخًا وأجلاً للتنفيذ.
فقالت المقدمة: « يلتحم النظام التربوي للمملكة المغربية بكيانها العريق القائم على ثوابت ومقدسات يجليها الإيمان بالله وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية؛ عليها يربى المواطنون مشبعين بالرغبة في المشاركة الإيجابية في الشأن العام والخاص, وهم واعون أتم الوعي بواجباتهم وحقوقهم, متمكنون من التواصل باللغة العربية, لغة البلاد الرسمية, تعبيرًا وكتابة, متفتحون على اللغات الأكثر انتشارًا في العالم, متشبعون بروح الحوار, وقبول الاختلاف, وتبني الممارسة الديمقراطية، في ظل دولة الحق والقانون ».
وجاء في الدعامة التاسعة من الميثاق: « تحسين تدريس اللغة العربية واستعمالها », وقالوا في ديباجة الدعامة: « إن اللغة العربية, بمقتضى دستور المملكة المغربية, هي اللغة الرسمية للبلاد, وحيث إن تعزيزها واستعمالها في مختلف مجالات العلم والحياة كان ولا يزال وسيبقى طموحًا وطنيًا », ولهذا قرروا « تجديد تعليم اللغة العربية وتقويته، مع جعله إلزاميًا لكل الأطفال المغاربة، في كل المؤسسات التربوية العاملة بالمغرب مع مراعاة الاتفاقيات الثنائية المنظمة لمؤسسات البعثات الأجنبية ».
وقالوا: » يستلزم الاستعداد لفتح شعب للبحث العلمي المتطور والتعليم العالي باللغة العربية، إدراج هذا المجهود في إطار مشروع مستقبلي طموح، ذي أبعاد ثقافية وعلمية معاصرة. يرتكز على: « التنمية المتواصلة للنسق اللساني العربي على مستويات التركيب والتوليد والمعجم؛ وتشجيع حركة رفيعة المستوى للإنتاج والترجمة بهدف استيعاب مكتسبات التطور العلمي والتكنولوجي والثقافي بلغة عربية واضحة, مع تشجيع التأليف والنشر وتصدير الإنتــاج الوطني الجيد؛ وتكوين صفوة من المتخصصين يتقنون مختلف مجالات المعرفة باللغة العربية وبعدة لغات أخرى، تكون من بينهم أطر تربوية عليا ومتوسطة.
وقالوا لنا: « ابتداءً من السنة الأكاديمية 2000-2001، تحدث أكاديمية اللغة العربية باعتبارها مؤسسة وطنية ذات مستوى عال، مكلفة بتخطيط المشروع المشار إليه أعلاه, وتطبيقه وتقويمه بشكل مستمر. وتضم تحت سلطتها المؤسسات والمراكز الجامعية المهتمة بتطوير اللغة العربية ».
وها نحن في السنة السابعة من صدور الميثاق وعلى مشارف أقل من ثلات سنوات عن العشرية المحددة للتطبيق والتنفيذ، ولم تر بعد أكاديمية اللغة العربية النور، وتعطل معها ما كان مقررًا أن تفعله. وأصبحت أيدينا على قلوبنا نتمنى مجرد بقاء الحال على ما كان، في ظل تحالف مكشوف بين تيار كان معروفًا لنا من قديم، وجهات رسمية بالغت في الانبطاح، حتى استلمت بلسانها ما هنالك من غبار وتراب تحت أقدام المتربصين.
وما أدري كيف يكون تقدم أو إبداع عند العرب بغير عربية، يقول الدكتور المهدي المنجرة حفظه الله: « لا توجد أية دولة في العالم انطلقت في المجال التكنولوجي دون الاعتماد على اللغة الأم، وهذا يحصل حتى مع « إسرائيل »، والصين، والهند، وإيران بعد أن حصل مع اليابان », والحال عندنا أن العربية أسمى من مجرد لغة للتواصل، أو لاستنبات التقدم والتكنولوجيا، إنها لغة الدين الذي لا يمكن أن يفهم على الوجه الصحيح والسليم خارجها، قال ابن رشد الفقيه الفيلسوف المالكي رحمه الله، في كتابه « الضروري في أصول الفقه » وهو يعدد شروط الاجتهاد في الشرع قال: « فينبغي أن يكون عند المجتهد من علم اللغة واللسان ما يفهم به كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا يلحن », وقال الشاطبي المالكي رحمه الله، في « الموافقات » بأن الشريعة عربية لا يفهمها حق الفهم إلا من فهم العربية، وإذا (فرضنا مبتدئًا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطًا فهو متوسط في فهم الشريعة (…) فان انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة), ولهذا لن يحارب العربية غير عدو حقود على الشريعة.
وعلى أهل الغيرة في بلاد المغرب الأقصى، وفي كل بلاد الدنيا يرجى لهم فضل وتأثير، أن يهبوا لحفظ فؤادهم وحماية لسانهم، فهذه مقومات وجود وحياة، وليس بعدها غير حدود طين وأكوام لحم، كما قال الشاعر قديمًا:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
